تابع التحفة الربانية
صفحة 1 من اصل 1
تابع التحفة الربانية
الحديث الرابع والعشرون
عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : (( يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم و آخر كم ,و إنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي ، لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي لو أن أولكم واخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خير فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )) رواه مسلم .
المفردات :
حرمت : منعت .
الظلم : وهو لغة وضع الشيء في غير موضعه .
على نفسي : فضلا مني ، وجود و إحسانا إلى عبادي ، فلا أعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات ، ولا أعاقب أحدا بذنب غيره ، ولا أنقص المحسن شيئا من جزاء حسناته ، ولا أحكم بين الناس إلا بالعدل والقسط .
وجعلته بينكم محرما : حكمت بتحريمه عليكم .
فلا تظالموا : بتشديد الظاء وبتخفيفها أصله تتظالموا ، لا يظلم بعضكم بعضا .
كلكم ضال : عن الحق لو ترك ، وما يدعوا الطبع من الراحة وإهمال الشرع .
إلا من هديته : وفقته لا متثال الأمر واحتناب النهي .
فاستهدوني : اطلبوا مني الدلالة على طريق الحق والإيصال إليها .
أهدكم : أنصب لكم أدلة ذلك الواضحة ، وأوفقكم لها .
فاستطعموني : اطلبوا مني الطعام .
تخطئون : بضم التاء على الرواية المشهورة ، وروي بفتحها وفتح الطاء : تأثمون .
وأنا أغفر الذنوب جميعا : غير الشرك وما لا يشاء مغفرته .
فاستغفروني : سلوني المغفرة ، وهي ستر الذنب ومحو أثره . وأمن عاقبته .
قاموا في صعيد واحد : في أرض واحدة ومقام واحد .
المخيط : بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الياء _ الإبرة .
أحصيها : أضبطها وأحفظها بعلمي وملائكتي .
أوفيكم إياها : أعطيكم جزاءها وافيا تاما .
فمن وجد خيرا : ثوابا ونعيما بأن وفق لأسبابهما . أو حياة طيبة هنيئة .
فليحمد الله : على توفيقه للطاعات التي ترتب عليها ذلك الخير والثواب ، فضلا منه ورحمة .
غير ذلك : شرا .
فلا يلومن إلا نفسه : فإنها آثرت شهواتها على رضا رازقها ، فكفرت بأنعمه ، ولم تذعن لأحكامه .
يستفاد منه :
1- تحريم الظلم ، وذلك متفق عليه في كل ملة ، لاتفاق سائر الملل على مراعاة حفظ النفس والأنساب والأعراض والعقول والأموال ، والظلم يقع في هذه أو بعضها ، وأعظم الظلم الشرك ، قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم .
2- وجوب الإقبال على المولى في جميع ما ينزل بالإنسان لافتقار سائر الخلق إليه وعجزهم عن جلب منافعهم ودفع مضارهم إلا بتيسيره . فيجب إفراده بأنواع العبادة : من السؤال والتضرع والاستعانة وغيرها ، فإنه المتفرد بخلق العبد وبهدايته وبرزقه ، وإحيائه وإماتته ، ومغفرة ذنوبه .
3- كمال فعله تعالى لتنزيهه عن الظلم وكمال ملكه فلا يزاد بالطاعة ولا ينقص بالمعاصي . وكما غناه فإن خزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء . وكمال إحسانه إلى عباده فإنه يجب أن يسألوه جميع مصالحهم الدينية والدنيوية كما يسألونه الهداية والمغفرة ، فله تعالى الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله .
4- أن الأصل في التقوى والفجور هو القلوب ، فإذا بر القلب وأتقى برت الجوارح ، وإذا فجر القلب فجرت الجوارح .
5- أن الخير كله من فضل الله تعالى على عباده من غير استحقاق . والشر كله من عند ابن آدم من إتباع
هوى نفسه .
الحديث الخامس والعشرون
عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا : أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : (( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليله صدقة ، وكل تحميدة صدقه ، وكل تهليلة صدقه . وأمر بمعروف صدقه ، ونهي عن منكر صدقه ، وفي بضع أحدكم صدقه )) قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له به أجر )) . رواه مسلم .
المفردات :
ناسا : هم فقراء المهاجرين ، كما في الرواية الأخرى .
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : جمع صاحب بمعنى الصحابي : و هو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد النبوة وقبل وفاته مؤمنا به ومات على ذلك ، وإن لم يره كابن أم مكتوم .
الدثور : بضم الدال و بالمثلثه ، جمع دثر بفتح فسكون ، وهو المال الكثير، بفضول أموالهم : بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم .
تصدقون : الرواية في هذه اللفظة بتشديد الصاد والدال جميعا ، ويجوز في اللغة تخفيف الصاد.
وبكل تكبيرة صدقة : روى برفع صدقة ونصبه ، فالرفع على الاستئناف . والنصب عطف على (( إن بكل تسبيحة صدقة )) وكذلك ما بعده .
بضع : بضم فسكون ، يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه ، وكلاهما تصلح إرادته هنا .
وزر : إثم .
يستفاد منه :
1- حرص الصحابة على الأعمال الصالحة وقوة رغبتهم في الخير بحيث كان أحدهم يحزن على ما يتعذر عليه من الخير مما يقدر عليه غيره . لكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالمال التي يقدر عليها الأغنياء .
2- أن الصدقة لا تختص بالمال بل ربما كانت الصدقة بغيره أفضل ، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنه دعاء إلى طاعة الله وكف عن معاصيه ، وذلك خير من النفع بالمال ، وكذلك تعليم العلم النافع ، وإقراء القرآن ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والسعي في جلب النفع للناس ودفع الأذى عنهم ، والدعاء للمسلمين ، والاستغفار لهم .
3- فضيلة التسبيح والتكبير و التحميد والتهليل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى من الدليل ، إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك ، ولم يكن فيه سوء أدب .
5- ذكر العالم دليلا لبعض المسائل التي تخفى ، وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة .
6- إحضار النية في المباحات ، وأنها تصير طاعات بالنية الصادقة ، :كأن ينوي بالجماع قضاء حق الزوجة ، ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله به ، أو طلب ولد صالح ، إو إعفاف نفسه ، أو إعفاف زوجته ، وغير ذلك من المقاصد الصالحة .
7- جواز القياس . وما نقل عن السلف من ذم القياس : المراد به القياس المصادم للنص .
الحديث السادس والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( كل سلامى من الناس عليه صدقه ، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )) .
المفردات :
سلامى : بضم السين المهملة وتخفيف اللام مع القصر ، وهي المفاصل . وقد ثبت في صحيح مسلم أنها ثلاثمائة
وستون .
عليه : تذكير الضمير مع عوده إلى المؤنث باعتبار المعنى وهو المفصل .
صدقة : في مقابلة ما أنعم الله به عليه في تلك السلاميات ، إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك عادل . فإبقاؤها يوجب دوام الشكر بالتصدق ، إذ لو فقد له عظم واحد ، أو يبس ، أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ، وعظم بلاؤه ،والصدقة تدفع البلاء .
تطلع فيه الشمس : إتى بهذا القيد لئلا يتوهم أن المراد باليوم هنا المدة الطويلة ، كما يقال : يوم صفين . وهو أيام كثيرة . أو مطلق الوقت كما في آية : (( يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم )) .
تعدل بين اثنين : متحاكمين ، أومتخاصمين ، أو متهاجرين .
صدقة : عليهما لوقايتهما مما يتسبب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال .
فتحمله عليها : كما هو أو تعينه على الركوب .
والكلمة الطيبة: وهي الذكر والدعاء للنفس والغير ، ومخاطبة الناس بما فيه السرور ،و اجتماع في القلوب و تألفها .
خطوة : بفتح الخاء :المرة الواحدة ، وبضمها : ما بين القدمين .
تميط : بضم أوله _ تنحى .
الأذى : ما يؤذي المارة : من قذر و نجس وحجر وشوك ، ونحو ذلك .
يستفاد منه :
1- أن تركيب عظام الآدمي وسلامتها من أعظم نعم الله تعالى عليه ، فيحتاج كل عظم منها إلى تصدق عنه بخصوصه ليتم شكر تلك النعمة .
2- المداومة على النوافل كل يوم ، وأن العبادة إذا وقعت في يوم لا يعني عن يوم آخر ، فلا يقول القائل مثلا : قد فعلت أمس فأجزأ عني اليوم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( كل يوم تطلع فيه الشمس )).
3- أن الصدقة لا تنحصر في المال .
4- فضل الإصلاح بين الناس .
5- الحث على حضور الجماعات والمشي إليها ، وعمارة المساجد بذلك ، إذ لو لى في بيته فإنه الأجر المذكور في الحديث .
6- الترغيب في إماطة الأذى ، وفي معنا ه : توسيع الطرق التي تضيق على المارة ، وإقامة من يبيع ويشتري في وسط الطرق العامة .
7- أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر بفضل الله تعالى.
الحديث السابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس )) . رواه مسلم .
وعن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (( جئت تسأل عن البر ؟ قلت نعم قال _ استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )) حديث حسن ، رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل ، والدارمي بإسناد صحيح .
المفردات :
البر : معظمه ، وهو عبارة عما اقتضاه الشرع وجوبا أو ندبا .
حسن الخلق : وهو الإنصاف في المعاملة ، والرفق في المجادلة ، والعدل في الأحكام ، والبذل و الإحسان في اليسر ، والإيثار في العسر ، وغير ذلك ، من الصفات الحميدة .
والإثم : الذنب .
حالك في صدرك : اختلج في النفس وتردد في القلب ، ولم يطمئن إليه .
وكرهت : كراهة دينية .
أن يطلع عليه الناس : وجوههم وأماثلهم الذين يستحى منهم .
اطمأنت إليه النفس : سكنت إليه النفس الطيبة .
أفتاك الناس : علماؤهم ، كما في الرواية ، ( وإن أفتاك المفتون ).
وأفتوك : بخلافه ، لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون بواطنها .
يستفاد منه :
1- ضابط البر والإثم .
2- الترغيب في حسن الخلق .
3- أن الحق والباطل لا يلتبس أمرهما على المؤمن البصير ، بل يعرف الحق بالنور الذي في قلبه ، وينفر عن الباطل فينكره .
4- معجزة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أخبر وابصة بما في نفسه قبل أن يتكلم به ، وأبرزه في حيز الاستفهام التقريري مبالغة في إيضاح إطلاعه عليه و احاطته به .
5- أن الفتوى لا تزيل الشبهة إذا كان المستفتي ممن شرح الله صدره . وكان المفتي إنما أفتى بمجرد ظن ، أو ميل إلى الهوى من غير دليل شرعي ، فأما ما كان له مع المفتي به دليل شرعي فيجب على المستفتي قبوله وإن لم ينشرح صدره ، كالمطر في السفر والمرض ، وقصر الصلاة في السفر ، ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال .
عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : (( يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم و آخر كم ,و إنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي ، لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي لو أن أولكم واخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خير فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )) رواه مسلم .
المفردات :
حرمت : منعت .
الظلم : وهو لغة وضع الشيء في غير موضعه .
على نفسي : فضلا مني ، وجود و إحسانا إلى عبادي ، فلا أعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات ، ولا أعاقب أحدا بذنب غيره ، ولا أنقص المحسن شيئا من جزاء حسناته ، ولا أحكم بين الناس إلا بالعدل والقسط .
وجعلته بينكم محرما : حكمت بتحريمه عليكم .
فلا تظالموا : بتشديد الظاء وبتخفيفها أصله تتظالموا ، لا يظلم بعضكم بعضا .
كلكم ضال : عن الحق لو ترك ، وما يدعوا الطبع من الراحة وإهمال الشرع .
إلا من هديته : وفقته لا متثال الأمر واحتناب النهي .
فاستهدوني : اطلبوا مني الدلالة على طريق الحق والإيصال إليها .
أهدكم : أنصب لكم أدلة ذلك الواضحة ، وأوفقكم لها .
فاستطعموني : اطلبوا مني الطعام .
تخطئون : بضم التاء على الرواية المشهورة ، وروي بفتحها وفتح الطاء : تأثمون .
وأنا أغفر الذنوب جميعا : غير الشرك وما لا يشاء مغفرته .
فاستغفروني : سلوني المغفرة ، وهي ستر الذنب ومحو أثره . وأمن عاقبته .
قاموا في صعيد واحد : في أرض واحدة ومقام واحد .
المخيط : بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الياء _ الإبرة .
أحصيها : أضبطها وأحفظها بعلمي وملائكتي .
أوفيكم إياها : أعطيكم جزاءها وافيا تاما .
فمن وجد خيرا : ثوابا ونعيما بأن وفق لأسبابهما . أو حياة طيبة هنيئة .
فليحمد الله : على توفيقه للطاعات التي ترتب عليها ذلك الخير والثواب ، فضلا منه ورحمة .
غير ذلك : شرا .
فلا يلومن إلا نفسه : فإنها آثرت شهواتها على رضا رازقها ، فكفرت بأنعمه ، ولم تذعن لأحكامه .
يستفاد منه :
1- تحريم الظلم ، وذلك متفق عليه في كل ملة ، لاتفاق سائر الملل على مراعاة حفظ النفس والأنساب والأعراض والعقول والأموال ، والظلم يقع في هذه أو بعضها ، وأعظم الظلم الشرك ، قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم .
2- وجوب الإقبال على المولى في جميع ما ينزل بالإنسان لافتقار سائر الخلق إليه وعجزهم عن جلب منافعهم ودفع مضارهم إلا بتيسيره . فيجب إفراده بأنواع العبادة : من السؤال والتضرع والاستعانة وغيرها ، فإنه المتفرد بخلق العبد وبهدايته وبرزقه ، وإحيائه وإماتته ، ومغفرة ذنوبه .
3- كمال فعله تعالى لتنزيهه عن الظلم وكمال ملكه فلا يزاد بالطاعة ولا ينقص بالمعاصي . وكما غناه فإن خزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء . وكمال إحسانه إلى عباده فإنه يجب أن يسألوه جميع مصالحهم الدينية والدنيوية كما يسألونه الهداية والمغفرة ، فله تعالى الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله .
4- أن الأصل في التقوى والفجور هو القلوب ، فإذا بر القلب وأتقى برت الجوارح ، وإذا فجر القلب فجرت الجوارح .
5- أن الخير كله من فضل الله تعالى على عباده من غير استحقاق . والشر كله من عند ابن آدم من إتباع
هوى نفسه .
الحديث الخامس والعشرون
عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا : أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : (( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليله صدقة ، وكل تحميدة صدقه ، وكل تهليلة صدقه . وأمر بمعروف صدقه ، ونهي عن منكر صدقه ، وفي بضع أحدكم صدقه )) قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له به أجر )) . رواه مسلم .
المفردات :
ناسا : هم فقراء المهاجرين ، كما في الرواية الأخرى .
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : جمع صاحب بمعنى الصحابي : و هو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد النبوة وقبل وفاته مؤمنا به ومات على ذلك ، وإن لم يره كابن أم مكتوم .
الدثور : بضم الدال و بالمثلثه ، جمع دثر بفتح فسكون ، وهو المال الكثير، بفضول أموالهم : بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم .
تصدقون : الرواية في هذه اللفظة بتشديد الصاد والدال جميعا ، ويجوز في اللغة تخفيف الصاد.
وبكل تكبيرة صدقة : روى برفع صدقة ونصبه ، فالرفع على الاستئناف . والنصب عطف على (( إن بكل تسبيحة صدقة )) وكذلك ما بعده .
بضع : بضم فسكون ، يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه ، وكلاهما تصلح إرادته هنا .
وزر : إثم .
يستفاد منه :
1- حرص الصحابة على الأعمال الصالحة وقوة رغبتهم في الخير بحيث كان أحدهم يحزن على ما يتعذر عليه من الخير مما يقدر عليه غيره . لكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالمال التي يقدر عليها الأغنياء .
2- أن الصدقة لا تختص بالمال بل ربما كانت الصدقة بغيره أفضل ، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنه دعاء إلى طاعة الله وكف عن معاصيه ، وذلك خير من النفع بالمال ، وكذلك تعليم العلم النافع ، وإقراء القرآن ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والسعي في جلب النفع للناس ودفع الأذى عنهم ، والدعاء للمسلمين ، والاستغفار لهم .
3- فضيلة التسبيح والتكبير و التحميد والتهليل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى من الدليل ، إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك ، ولم يكن فيه سوء أدب .
5- ذكر العالم دليلا لبعض المسائل التي تخفى ، وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة .
6- إحضار النية في المباحات ، وأنها تصير طاعات بالنية الصادقة ، :كأن ينوي بالجماع قضاء حق الزوجة ، ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله به ، أو طلب ولد صالح ، إو إعفاف نفسه ، أو إعفاف زوجته ، وغير ذلك من المقاصد الصالحة .
7- جواز القياس . وما نقل عن السلف من ذم القياس : المراد به القياس المصادم للنص .
الحديث السادس والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( كل سلامى من الناس عليه صدقه ، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )) .
المفردات :
سلامى : بضم السين المهملة وتخفيف اللام مع القصر ، وهي المفاصل . وقد ثبت في صحيح مسلم أنها ثلاثمائة
وستون .
عليه : تذكير الضمير مع عوده إلى المؤنث باعتبار المعنى وهو المفصل .
صدقة : في مقابلة ما أنعم الله به عليه في تلك السلاميات ، إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك عادل . فإبقاؤها يوجب دوام الشكر بالتصدق ، إذ لو فقد له عظم واحد ، أو يبس ، أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ، وعظم بلاؤه ،والصدقة تدفع البلاء .
تطلع فيه الشمس : إتى بهذا القيد لئلا يتوهم أن المراد باليوم هنا المدة الطويلة ، كما يقال : يوم صفين . وهو أيام كثيرة . أو مطلق الوقت كما في آية : (( يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم )) .
تعدل بين اثنين : متحاكمين ، أومتخاصمين ، أو متهاجرين .
صدقة : عليهما لوقايتهما مما يتسبب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال .
فتحمله عليها : كما هو أو تعينه على الركوب .
والكلمة الطيبة: وهي الذكر والدعاء للنفس والغير ، ومخاطبة الناس بما فيه السرور ،و اجتماع في القلوب و تألفها .
خطوة : بفتح الخاء :المرة الواحدة ، وبضمها : ما بين القدمين .
تميط : بضم أوله _ تنحى .
الأذى : ما يؤذي المارة : من قذر و نجس وحجر وشوك ، ونحو ذلك .
يستفاد منه :
1- أن تركيب عظام الآدمي وسلامتها من أعظم نعم الله تعالى عليه ، فيحتاج كل عظم منها إلى تصدق عنه بخصوصه ليتم شكر تلك النعمة .
2- المداومة على النوافل كل يوم ، وأن العبادة إذا وقعت في يوم لا يعني عن يوم آخر ، فلا يقول القائل مثلا : قد فعلت أمس فأجزأ عني اليوم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( كل يوم تطلع فيه الشمس )).
3- أن الصدقة لا تنحصر في المال .
4- فضل الإصلاح بين الناس .
5- الحث على حضور الجماعات والمشي إليها ، وعمارة المساجد بذلك ، إذ لو لى في بيته فإنه الأجر المذكور في الحديث .
6- الترغيب في إماطة الأذى ، وفي معنا ه : توسيع الطرق التي تضيق على المارة ، وإقامة من يبيع ويشتري في وسط الطرق العامة .
7- أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر بفضل الله تعالى.
الحديث السابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس )) . رواه مسلم .
وعن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (( جئت تسأل عن البر ؟ قلت نعم قال _ استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )) حديث حسن ، رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل ، والدارمي بإسناد صحيح .
المفردات :
البر : معظمه ، وهو عبارة عما اقتضاه الشرع وجوبا أو ندبا .
حسن الخلق : وهو الإنصاف في المعاملة ، والرفق في المجادلة ، والعدل في الأحكام ، والبذل و الإحسان في اليسر ، والإيثار في العسر ، وغير ذلك ، من الصفات الحميدة .
والإثم : الذنب .
حالك في صدرك : اختلج في النفس وتردد في القلب ، ولم يطمئن إليه .
وكرهت : كراهة دينية .
أن يطلع عليه الناس : وجوههم وأماثلهم الذين يستحى منهم .
اطمأنت إليه النفس : سكنت إليه النفس الطيبة .
أفتاك الناس : علماؤهم ، كما في الرواية ، ( وإن أفتاك المفتون ).
وأفتوك : بخلافه ، لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون بواطنها .
يستفاد منه :
1- ضابط البر والإثم .
2- الترغيب في حسن الخلق .
3- أن الحق والباطل لا يلتبس أمرهما على المؤمن البصير ، بل يعرف الحق بالنور الذي في قلبه ، وينفر عن الباطل فينكره .
4- معجزة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أخبر وابصة بما في نفسه قبل أن يتكلم به ، وأبرزه في حيز الاستفهام التقريري مبالغة في إيضاح إطلاعه عليه و احاطته به .
5- أن الفتوى لا تزيل الشبهة إذا كان المستفتي ممن شرح الله صدره . وكان المفتي إنما أفتى بمجرد ظن ، أو ميل إلى الهوى من غير دليل شرعي ، فأما ما كان له مع المفتي به دليل شرعي فيجب على المستفتي قبوله وإن لم ينشرح صدره ، كالمطر في السفر والمرض ، وقصر الصلاة في السفر ، ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال .
عدل سابقا من قبل Admin في السبت أكتوبر 08, 2011 7:51 pm عدل 1 مرات
رد: تابع التحفة الربانية
الحديث الثامن والعشرون
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فأوصنا . قال : (( أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات : وعظنا : نصحنا وذكرنا .
موعظة : تنويها للتعظيم ، أي موعظة جليلة .
وجلت : خافت .
منها : من أجلها .
ذرفت : سالت بالدموع .
كأنها موعظة مودع : فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ، فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم ، فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غير في القول والفعل .
فأوصنا : وصية جامعة كافية .
بتقوى الله : امتثال أوامره ،و اجتناب نواهيه .
والسمع والطاعة : لولاة الأمور ، فيجب الإصغاء إلى كلام ولي الأمر ، ليفهم ويعرف ، وتجب طاعته .
فسيرى اختلافا: في الأقوال والأعمال والاعتقادات .
فعليكم بسنتي : الزموا التمسك بها ، وهي طريقته صلى الله عليه وسلم ، مما أصله من الأحكام الإعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها .
الراشدين : الذين عرفوا الحق واتبعوه ، والمراد بالخلفاء الراشدين : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
عضوا : بفتح العين وضمها غلط .
بالنواجذ: أواخر الأضراس .
بدعة : وهي ما أحدث على خلاف أمر الشارع ، ودليله الخاص أو العام .
يستفاد منه :
1- المبالغة في الموعظة ، لما في ذلك من ترقيق القلوب ، فتكون أسرع إلى الإجابة .
2- الاعتماد على القرائن في بعض الأحوال ، لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بإبلاغه في الموعظة أكثر من العادة .
3- أنه ينبغي سؤال الواعظ الزيادة في الوعظ والتخويف والنصح .
4- علم من أعلام النبوة ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يقع بعده في أمته من كثرة الاختلاف _ ووقع الأمر كذلك .
5- الأمر بتقوى الله والسمع والطاعة ، وفي هذه الوصية سعادة الدنيا والآخرة ، أما التقوى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، وأما السمع والطاعة فبهما تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، ويستطيعون إظهار دينهم وطاعاتهم .
6- التمسك بالسنة والصبر على ما يصيب المتمسك من المضض في ذلك ، وقد قيل : إن هذا هو المراد بعض النواجذ عليها .
7- أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا وخالفه فيه غيره كان المصير إلى قول الخليفة أولى .
8- التحذير من ابتداع الأمور التي ليس لها أصل في الشرع ، أما ما كان مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها . فليس ببدعة ولا ضلالة .
الحديث التاسع والعشرون
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار ، قال : (( لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله تعلى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ثم قال _ ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم تلا (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع _ حتى بلغ _ يعملون )) ثم قال : (( ألا أخبرك برأس الأمر و عموده وذروة سنامه ؟ _ الجهاد _ ثم قال _ ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه وقال : كف عليك هذا . قلت : يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم _ أو قال على مناخرهم _ إلا حصائد ألسنتهم )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات :
لقد سألت عن عظيم : عن عمل عظيم ، لأن دخول الجنة والنجاة من النار أمر عظيم جدا ، لأجله أنزل الله الكتب ، وأرسل الرسل .
من يسره الله عليه : بتوفيقه إلى القيام بالطاعات على ما ينبغي .
تعبد الله : توحده .
على أبواب الخير : من النوافل ، لأنه قد دله على واجبات الإسلام قبل .
الصوم : الإكثار من نفله ، لأن فرضه مر ذكره قريبا .
جنة : بضم الجيم _ وقاية لصاحبه من المعاصي في الدنيا ، ومن النار في الآخرة .
الصدقة : نفلها ، لأن فرضها مر.
وصلاة الرجل في جوف الليل : يعني أنها تطفيء الخطيئة ، والمرأة مثل الرجل في ذلك ، وإنما خص الرجل بالذكر لغلبة الخير في الرجال ، أو لأن السائل رجل .
تلا : النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين فضل صلاة الليل .
تتجافى : تتنحى .
المضاجع : مواضع الاضطجاع للنوم .
ثم قال : النبي صلى الله عليه وسلم .
برأس الأمر : الذي سألت عنه .
ذروة : بضم الذال وكسرها _ الطرف الأعلى .
بملاك ذلك كله : بمقصوده وجماعه ، وما يعتمد عليك . والملاك بكسر الميم وفتحها .
فأخذ بلسانه: أمسك النبي صلى الله عليه وسلم لسان نفسه .
كف عليك : عنك . أو ضمن (( كف )) معنى أحبس .
ثكلتك : فقدتك . ولم يقصد رسول الله حقيقة الدعاء . بل جرى ذلك على عادة العرب في المخاطبات .
وهل : استفهام إنكار ، بمعنى النفي .
يكب : بضم الكاف _ يصرع .
الناس : أكثرهم .
حصائد ألسنتهم : ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه .
يستفاد منه :
1- شدة اهتمام معاذ رضي الله عنه بالأعمال الصالحة .
2- أن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة ، كما قال تعالى : (( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )) وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ، فالمراد أن العمل بنفسه لا يستحق به أحد الجنة ، لولا أن الله جعله بفضله ورحمته سببا لذلك ، والعمل نفسه من فضل الله ورحمته على عبده ، فالجنة وأسبابها كل من فضل الله ورحمته .
3- أن التوفيق بيد الله عز وجل ، فمن يسر عليه الهداية اهتدى . ومن لم ييسر عليه ، لم ييسر له ذلك .
4- ترتب دخوله الجنة على الإتيان بأركان الإسلام الخمسة ، وهي : التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج .
5- فضل التقرب بالنوافل بعد أداء الفرائض .
6- أن الصدقة تكفر بها السيئات .
7- فضل الصلاة في جوف الليل .
8- أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة ، يذهب الإسلام بذهابها ، كما تسقط الخيمة بسقوط عمودها .
9- فضل الجهاد .
10- أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك الذي هو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ، والقول على الله بغير علم ، وهو قرين الشرك وشهادة الزور والسحر والقذف والغيبة والنميمة ، وسائر المعاصي القولية . بل المعاصي الفعلية لا تخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها .
الحديث الثلاثون
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها )) . حديث حسن . رواه الدارقطني وغيره.
المفردات :
فرض : أوجب وألزم .
فرائض : وهي ما فرض الله على عباده ، وألزمهم القيام به .
فلا تضيعوها : بالترك أو التهاون فيها حتى يخرج وقتها ، بل قوموا بها كما فرض عليكم .
وحد حدودا : وهي جملة ما أذن الله في فعله ، سواء كان على طريق الوجوب أو الندب أو الإباحة .
فلا تعتدوها : فلا تجاوزوا ما حد لكم بمخالفة المأمور وارتكاب المحظور.
فلا تنتهكوها : لا تتناولوها ولا تقربوها .
وسكت عن أشياء : فلم يحكم فيها بوجوب ولا حل ولا حرمة .
رحمة لكم : بعدم تحريمها حتى يعاقب على فعلها ، وعدم إيجابها حتى يعاقب على تركها .
غير نسيان : لأحكامها _ لا يضل ربي ولا ينسى .
فلا تبحثوا عنها : لا تفتشوا عنها ، لأن ذلك ربما يفضي إلى التكليف الشاق .
يستفاد منه :
تقسيم أحكام الدين إلى أربعة أقسام : فرائض حقها ألا تضيع ، ومحارم حقها أن لا تقرب ، وحدود حقها عدم مجاوزتها ، ومسكوت عنه حقه ألا يبحث عنه ، وهذا يجمع أحكام الدين كلها ، ومن عمل به حاز الثواب وأمن العقاب ، ولهذا قال بعض العلماء : ليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من هذا الحديث .
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، فقال : (( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )) . حديث حسن ، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
المفردات :
دلني : أرشدني .
ازهد في الدنيا : اقتصر على قدر الضرورة منها .
يحبك الله : لإعراضك عما أمر بالإعراض عنه .
وازهد فيما عند الناس :من الدنيا .
يحبك الناس : لأن قلوبهم مجبولة على حب الدنيا ، ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه و قلاه ، ومن لم يعارضه فيه أحبه .
يستفاد منه :
1- أن الزهد في الدنيا من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، ومحبة الناس له .
2- أنه لا بأس بالسعي فيما تكتسب به محبة العباد مما ليس بمحرم ، بل هو مندوب إليه ، كما يدل عليه الأمر بإفشاء السلام ، وغير ذلك من جوالب المحبة التي أمر بها الشارع .
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لا ضرر ولا ضرار )) حديث حسن . رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندا ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم _ فأسقط أبا سعيد ، وله طرق بقوي بعضها بعضا .
المفردات :
لا ضرر: لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه .
ولا ضرار : لا يجازي من ضره بأكثر من المقابلة بالمثل ، والانتصار بالحق . وفي تفسير (لا ضرر ولا ضرار ) أقوال غير هذا لا نطيل بذكرها .
يستفاد منه :
1- أن الضرر يزال ، وينبني على ذلك كثير من أبواب الفقه ، كالرد بالعيب ، وغيره مما يدخل تحت هذه القاعدة المأخوذة من الحديث .
2- منع التصرف في ملك الإنسان بما يتعدى ضرره إلى الغير على غير الوجه المعتاد ، مثل أن يؤجج في أرضه نارا في يوم عاصف فيحترق ما يليه ، فإنه متعد بذلك وعليك الضمان .
3- النهي عن المجازاة بأكثر من المثل .
4- أن ما أمر الله به عباده هو عين صلاح دينهم ، ودنياهم . وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ، ودنياهم ، ولم يأمرهم بشيء يضرهم ، ولذلك أسقط الطهارة بالماء عن المريض ، وأسقط المطالبة بالدين عند إعسار المدين إلى الميسرة ، إلى غير ذلك مما يدل على أن شريعتنا سمحة .
الحديث الثالث والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ، لكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر )) حديث حسن ، رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين .
المفردات :
بدعواهم : بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم ، لا ادعى رجال خصوا بالذكر لأن ذلك من شأنهم غالبا .
دماء رجال وأموالهم : فلا يتمكن المدعى عليه من صون دمه وماله .
المدعى : هو من يذكر أمرا خفيا يخالف الظاهر .
واليمين على من أنكر : لأن الأصل براءة ذمته ، مما طلب منه وهو متمسك به .
يستفاد منه :
1- أنه لا يحكم لأحد بمجرد دعواه .
2- أنه لا يجوز الحكم إلا بما رتبه الشرع ، وإن غلب على الظن صدق المدعى .
3- أن اليمين على المدعى عليه مطلقا .
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فأوصنا . قال : (( أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات : وعظنا : نصحنا وذكرنا .
موعظة : تنويها للتعظيم ، أي موعظة جليلة .
وجلت : خافت .
منها : من أجلها .
ذرفت : سالت بالدموع .
كأنها موعظة مودع : فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ، فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم ، فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غير في القول والفعل .
فأوصنا : وصية جامعة كافية .
بتقوى الله : امتثال أوامره ،و اجتناب نواهيه .
والسمع والطاعة : لولاة الأمور ، فيجب الإصغاء إلى كلام ولي الأمر ، ليفهم ويعرف ، وتجب طاعته .
فسيرى اختلافا: في الأقوال والأعمال والاعتقادات .
فعليكم بسنتي : الزموا التمسك بها ، وهي طريقته صلى الله عليه وسلم ، مما أصله من الأحكام الإعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها .
الراشدين : الذين عرفوا الحق واتبعوه ، والمراد بالخلفاء الراشدين : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
عضوا : بفتح العين وضمها غلط .
بالنواجذ: أواخر الأضراس .
بدعة : وهي ما أحدث على خلاف أمر الشارع ، ودليله الخاص أو العام .
يستفاد منه :
1- المبالغة في الموعظة ، لما في ذلك من ترقيق القلوب ، فتكون أسرع إلى الإجابة .
2- الاعتماد على القرائن في بعض الأحوال ، لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بإبلاغه في الموعظة أكثر من العادة .
3- أنه ينبغي سؤال الواعظ الزيادة في الوعظ والتخويف والنصح .
4- علم من أعلام النبوة ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يقع بعده في أمته من كثرة الاختلاف _ ووقع الأمر كذلك .
5- الأمر بتقوى الله والسمع والطاعة ، وفي هذه الوصية سعادة الدنيا والآخرة ، أما التقوى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، وأما السمع والطاعة فبهما تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، ويستطيعون إظهار دينهم وطاعاتهم .
6- التمسك بالسنة والصبر على ما يصيب المتمسك من المضض في ذلك ، وقد قيل : إن هذا هو المراد بعض النواجذ عليها .
7- أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا وخالفه فيه غيره كان المصير إلى قول الخليفة أولى .
8- التحذير من ابتداع الأمور التي ليس لها أصل في الشرع ، أما ما كان مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها . فليس ببدعة ولا ضلالة .
الحديث التاسع والعشرون
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار ، قال : (( لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله تعلى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ثم قال _ ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم تلا (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع _ حتى بلغ _ يعملون )) ثم قال : (( ألا أخبرك برأس الأمر و عموده وذروة سنامه ؟ _ الجهاد _ ثم قال _ ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه وقال : كف عليك هذا . قلت : يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم _ أو قال على مناخرهم _ إلا حصائد ألسنتهم )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات :
لقد سألت عن عظيم : عن عمل عظيم ، لأن دخول الجنة والنجاة من النار أمر عظيم جدا ، لأجله أنزل الله الكتب ، وأرسل الرسل .
من يسره الله عليه : بتوفيقه إلى القيام بالطاعات على ما ينبغي .
تعبد الله : توحده .
على أبواب الخير : من النوافل ، لأنه قد دله على واجبات الإسلام قبل .
الصوم : الإكثار من نفله ، لأن فرضه مر ذكره قريبا .
جنة : بضم الجيم _ وقاية لصاحبه من المعاصي في الدنيا ، ومن النار في الآخرة .
الصدقة : نفلها ، لأن فرضها مر.
وصلاة الرجل في جوف الليل : يعني أنها تطفيء الخطيئة ، والمرأة مثل الرجل في ذلك ، وإنما خص الرجل بالذكر لغلبة الخير في الرجال ، أو لأن السائل رجل .
تلا : النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين فضل صلاة الليل .
تتجافى : تتنحى .
المضاجع : مواضع الاضطجاع للنوم .
ثم قال : النبي صلى الله عليه وسلم .
برأس الأمر : الذي سألت عنه .
ذروة : بضم الذال وكسرها _ الطرف الأعلى .
بملاك ذلك كله : بمقصوده وجماعه ، وما يعتمد عليك . والملاك بكسر الميم وفتحها .
فأخذ بلسانه: أمسك النبي صلى الله عليه وسلم لسان نفسه .
كف عليك : عنك . أو ضمن (( كف )) معنى أحبس .
ثكلتك : فقدتك . ولم يقصد رسول الله حقيقة الدعاء . بل جرى ذلك على عادة العرب في المخاطبات .
وهل : استفهام إنكار ، بمعنى النفي .
يكب : بضم الكاف _ يصرع .
الناس : أكثرهم .
حصائد ألسنتهم : ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه .
يستفاد منه :
1- شدة اهتمام معاذ رضي الله عنه بالأعمال الصالحة .
2- أن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة ، كما قال تعالى : (( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )) وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ، فالمراد أن العمل بنفسه لا يستحق به أحد الجنة ، لولا أن الله جعله بفضله ورحمته سببا لذلك ، والعمل نفسه من فضل الله ورحمته على عبده ، فالجنة وأسبابها كل من فضل الله ورحمته .
3- أن التوفيق بيد الله عز وجل ، فمن يسر عليه الهداية اهتدى . ومن لم ييسر عليه ، لم ييسر له ذلك .
4- ترتب دخوله الجنة على الإتيان بأركان الإسلام الخمسة ، وهي : التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج .
5- فضل التقرب بالنوافل بعد أداء الفرائض .
6- أن الصدقة تكفر بها السيئات .
7- فضل الصلاة في جوف الليل .
8- أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة ، يذهب الإسلام بذهابها ، كما تسقط الخيمة بسقوط عمودها .
9- فضل الجهاد .
10- أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك الذي هو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ، والقول على الله بغير علم ، وهو قرين الشرك وشهادة الزور والسحر والقذف والغيبة والنميمة ، وسائر المعاصي القولية . بل المعاصي الفعلية لا تخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها .
الحديث الثلاثون
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها )) . حديث حسن . رواه الدارقطني وغيره.
المفردات :
فرض : أوجب وألزم .
فرائض : وهي ما فرض الله على عباده ، وألزمهم القيام به .
فلا تضيعوها : بالترك أو التهاون فيها حتى يخرج وقتها ، بل قوموا بها كما فرض عليكم .
وحد حدودا : وهي جملة ما أذن الله في فعله ، سواء كان على طريق الوجوب أو الندب أو الإباحة .
فلا تعتدوها : فلا تجاوزوا ما حد لكم بمخالفة المأمور وارتكاب المحظور.
فلا تنتهكوها : لا تتناولوها ولا تقربوها .
وسكت عن أشياء : فلم يحكم فيها بوجوب ولا حل ولا حرمة .
رحمة لكم : بعدم تحريمها حتى يعاقب على فعلها ، وعدم إيجابها حتى يعاقب على تركها .
غير نسيان : لأحكامها _ لا يضل ربي ولا ينسى .
فلا تبحثوا عنها : لا تفتشوا عنها ، لأن ذلك ربما يفضي إلى التكليف الشاق .
يستفاد منه :
تقسيم أحكام الدين إلى أربعة أقسام : فرائض حقها ألا تضيع ، ومحارم حقها أن لا تقرب ، وحدود حقها عدم مجاوزتها ، ومسكوت عنه حقه ألا يبحث عنه ، وهذا يجمع أحكام الدين كلها ، ومن عمل به حاز الثواب وأمن العقاب ، ولهذا قال بعض العلماء : ليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من هذا الحديث .
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، فقال : (( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )) . حديث حسن ، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
المفردات :
دلني : أرشدني .
ازهد في الدنيا : اقتصر على قدر الضرورة منها .
يحبك الله : لإعراضك عما أمر بالإعراض عنه .
وازهد فيما عند الناس :من الدنيا .
يحبك الناس : لأن قلوبهم مجبولة على حب الدنيا ، ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه و قلاه ، ومن لم يعارضه فيه أحبه .
يستفاد منه :
1- أن الزهد في الدنيا من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، ومحبة الناس له .
2- أنه لا بأس بالسعي فيما تكتسب به محبة العباد مما ليس بمحرم ، بل هو مندوب إليه ، كما يدل عليه الأمر بإفشاء السلام ، وغير ذلك من جوالب المحبة التي أمر بها الشارع .
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لا ضرر ولا ضرار )) حديث حسن . رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندا ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم _ فأسقط أبا سعيد ، وله طرق بقوي بعضها بعضا .
المفردات :
لا ضرر: لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه .
ولا ضرار : لا يجازي من ضره بأكثر من المقابلة بالمثل ، والانتصار بالحق . وفي تفسير (لا ضرر ولا ضرار ) أقوال غير هذا لا نطيل بذكرها .
يستفاد منه :
1- أن الضرر يزال ، وينبني على ذلك كثير من أبواب الفقه ، كالرد بالعيب ، وغيره مما يدخل تحت هذه القاعدة المأخوذة من الحديث .
2- منع التصرف في ملك الإنسان بما يتعدى ضرره إلى الغير على غير الوجه المعتاد ، مثل أن يؤجج في أرضه نارا في يوم عاصف فيحترق ما يليه ، فإنه متعد بذلك وعليك الضمان .
3- النهي عن المجازاة بأكثر من المثل .
4- أن ما أمر الله به عباده هو عين صلاح دينهم ، ودنياهم . وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ، ودنياهم ، ولم يأمرهم بشيء يضرهم ، ولذلك أسقط الطهارة بالماء عن المريض ، وأسقط المطالبة بالدين عند إعسار المدين إلى الميسرة ، إلى غير ذلك مما يدل على أن شريعتنا سمحة .
الحديث الثالث والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ، لكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر )) حديث حسن ، رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين .
المفردات :
بدعواهم : بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم ، لا ادعى رجال خصوا بالذكر لأن ذلك من شأنهم غالبا .
دماء رجال وأموالهم : فلا يتمكن المدعى عليه من صون دمه وماله .
المدعى : هو من يذكر أمرا خفيا يخالف الظاهر .
واليمين على من أنكر : لأن الأصل براءة ذمته ، مما طلب منه وهو متمسك به .
يستفاد منه :
1- أنه لا يحكم لأحد بمجرد دعواه .
2- أنه لا يجوز الحكم إلا بما رتبه الشرع ، وإن غلب على الظن صدق المدعى .
3- أن اليمين على المدعى عليه مطلقا .
رد: تابع التحفة الربانية
الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )).رواه مسلم .
المفردات :
رأى : علم .
منكم : معشر المسلمين المكلفين .
منكرا : شيئا قبحه الشرع فعلا وقولا ، ولو صغيرا.
فليغيره : فليزله .
بيده : حيث كان مما يزال بها ، ككسر آلة لهو ، وآنية خمر .
فإن لم يستطع : الإنكار بيده ، لكون فاعله أقوى منه ، ويلحقه الضرر بالتغيير باليد .
فبلسانه : بالقول : كالتذكير ، أو بالتوبيخ .
فإن لم يستطع : ذلك بلسانه لوجود ما نع ، كخوف فتنة ، أو خوف على نفس ، أو نحو ذلك .
فبقلبه : ينكره وجوبا بأن يكرهه به ، ويعزم أنه لو قدر يقول ، أو فعل لقال وفعل .
وذلك : الإنكار بالقلب .
أضعف الإيمان : أقله ثمرة .
يستفاد منه :
1- وجوب تغيير المنكر بكل ما أمكنه مما ذكر ، فلا يكفي الوعظ لمن تمكنه إزالته بيده ، ولا القلب لمن تمكنه إزالته باللسان .
2- أن الإنكار إنما يتعلق بتحقيق الشيء ، وليس على الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر اقتحام الدور بالظنون ، إلا إذا أخبره من يثق بقوله : أن رجلا خلا برجل ليقتله ، أو بامرأة ليزني بها ، أو نحو ذلك مما لا يتدارك ، فإنه يجب عليه البحث خوف الفوات .
3- أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان ، وفعلها أفضل ممن تركها عجزا ، كما يدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في النساء : أما نقصان دينها فإنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي ، فدل على أن من قدر على الواجب وفعله أولى ، وأفضل ممن تركه عجزا ، أو معذورا .
4- أن عدم إنكار المنكر بالقلب دليل على ذهاب الإيمان منه ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله ع نه : (( هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ))
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ولا تباغضوا ،ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره . التقوى ههنا _ ويشير إلى صدره ثلاث مرات _ بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )) . رواه مسلم
المفردات :
لا تحاسدوا : لا يحسد بعضكم بعضا .
ولا تناجشوا : لا يزد بعضكم في ثمن سلعة لا يريد شراءها . ليخدع بذلك غيره ممن يرغب فيها .
ولا تباغضوا : لا تتعاطوا أسباب التباغض .
ولا تدابروا : لا يعط أحد منكم أخاه دبره حين يلقاه مقاطعة له .
ولا يبع بعضكم على بيع بعض : بأن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار : افسخ هذا البيع ، وأنا أبيعك مثله بأرخص منه ثمنه ، أو أجود منه بثمنه . أو يكون المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا ، ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه ، أو يعطيه بأنقص ، وهذا بعد استقرار الثمن ، أما قبل الرضا فليس بحرام .
وكونوا عباد الله أخوانا : كالتعليل لما تقدم ، أي تعاملوا معاملة الأخوة في المودة ، والرفق والشفقة والملاطفة ، والتعاون في الخير ، ونحو ذلك مع صفاء القلوب .
المسلم أخو المسلم : لأنه يجمعهما دين واحد ، قال تعالى : (( إنما المؤمنون أخوة )) .
لا يظلمه : لا يدخل عليه ضررا في نفسه ، أو دينه ، أو عرضه ، أو ماله بغير إذن شرعي .
ولا يخذله : لا يترك نصرته المشروعة ، لأن من حق حقوق أخوة الإسلام : التناصر .
ولا يكذبه : بفتح ياء المضارعة ، وتخفيف الذال المكسورة على الأشهر ، ويجوز ضم أوله وإسكان ثانية _ لا يخبره بأمر خلاف الواقع .
ولا يحقره : بالحاء المهملة والقاف _ لا يستصغر شأنه ويضع من قدره ، لأن الله لما خلقه لم يحقره بل رفعه وخاطبه وكلفه .
التقوى : اجتناب عذاب الله بفعل المأمور ،و ترك المحظور .
بحسب امريء من الشر : يكفيه من الشر .
عرضه : حسبه ، وهو مفاخره ومفاخر آبائه ، وقد يراد به النفس .
يستفاد منه :
1- تحريم الحسد ،والتباغض ، و التدابر ، وبيع البعض على بيع البعض .
2- النهي عن أذية المسلم بأي وجه من الوجوه من قول أو فعل .
3- النهي عن الأهواء المضلة ، لأنها توجب التباغض .
4- الأمر باكتساب ما يصير به المسلمون إخوانا على الإطلاق ، ويدخل في ذلك أداء حقوق المسلم على المسلم : كر د السلام ، وابتدائه ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، والنصح .
5- تحريم الظلم .
6- أن من حقوق المسلم على المسلم نصره إذا احتاج إليه ، سواء كان ذلك الأمر دنيويا مثل أن يقدر على دفع عدو يريد أن يبطش به ، فيجب عليه دفعه ، أو دينيا مثل أن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فيجب عليه حينئذ النصح ، وتركه هو الخذلان المحرم .
7- التحذير من تحقير المسلم ، فإن الله لم يحقره إذ خلقه ، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض ، وسماه مسلما ، ومؤمنا ، وعبدا ، وجعل الرسول منه إليه محمدا صلى الله عليه وسلم . فمن حقر مسلما من المسلمين فقد حقر ما عظمه الله تعالى .
8- إن عمدة التقوى ما في القلب من عظمة الله ، وخشيته ومراقبته ، ولا اعتبار بمجر د الأعمال الصالحة بدون ذلك .
9- تحريم دماء المسلمين ، وأموالهم وأعراضهم .
الحديث السادس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من نفس عن مؤمن كربة ن كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) رواه مسلم بهذا اللفظ .
المفردات :
نفس : أزال وفرج .
كربة : شدة عظيمة ، وهي ما أهم النفس ، وغم القلب .
ومن يسر على معسر : بإنظاره إلى الميسرة ، أو بإعطائه ما يزول به إعساره ،أو بالوضع عنه إن كان غريما .
يسر الله عليه : أموره ومطالبه .
ومن ستر مسلما : لم يعرف بأذى ، أو فساد ، بأن علم منه وقوع معصية فيما مضى ، لم يخبر بها أحدا .
ستره الله في الدنيا والآخرة : بألا يعاقبه على ما فرط منه .
من سلك طريقا : بالمشي بالأقدام إلى مجالس العلم ، ويتناول أيضا الطريق المعنوي : كالحفظ والمذاكرة والمطالعة والتفهم .
يلتمس : يطلب .
علما : شرعيا ، قاصدا به وجه الله تعالى.
سهل الله له طريقا إلى الجنة : بتيسير ذلك العلم الذي طلبه والعمل بمقتضاه أو علوم أخرى توصله إلى الجنة ، ويحتمل أن يراد به تسهيل طريق الجنة الحسي يوم القيامة وهو الصراط .
من بيوت الله : المساجد .
السكينة : الطمأنينة والوقار .
غشيتهم الرحمة : شملتهم من كل جهة .
حفتهم الملائكة : أحاطت بهم بحيث لا يدعون للشيطان فرجة يتوصل منها للذاكرين .
وذكرهم الله : أثنى عليهم .
فيمن عنده : من الملائكة .
بطأ : قصر ، لفقد بعض شروط الصحة أو الكمال .
لم يسرع به نسبه : لم يلحقه برتب أصحاب الأعمال الكاملة : لأن المسارعة إلى السعادة بالأعمال لا بالأحساب .
يستفاد منه :
1- فضل قضاء حاجات المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم . أو جاه أو مال ، أو إشارة ، أو نصح ، أو دلالة على خير ، أو إعانة بنفسه ، أو بوساطته ، أو الدعاء بظهر الغيب .
2- الترغيب في التيسير على المعسر . والأحاديث في فضل ذلك كثيرة ، منها خبر مسلم : (( من سره أن ينجيه الله تعالى من كرب يوم القيامة ، فليقض عن معسر أو يضع عنه )) .
3- الترغيب في ستر المسلم الذي لم يكن معروفا بالفساد أما المعروف الذي لا يبالي ما ارتكب منه ، ولا بما قيل له ، فلا يستر عليه ، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة ، لأن الستر على ذلك يطغيه في الفساد وانتهاك الحرمات ، ويجزيء غيره على مثل فعله . وهذا كله إنما هو في معصية انقضت ، أما التي رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها ، ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل له التأخير ، فإن عجز لزمه رفع ذلك إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة.
4- أن العبد إذا عزم على معاونة أخيه فينبغي له أن لا يجبن عن إنفاذ قوله وصدعه بالحق ، إيمانا بأن الله تعالى في عونه .
5- فضل الاشتغال بطلب العلم .
6- الحث على الاجتماع على تلاوة القرآن في المساجد .
7- أن الجزاء إنما رتبه الله على الأعمال لا على الأنساب .
8- أن الجزاء تارة يكون من جنس الفعل .
الحديث السابع والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : (( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة )) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف .
المفردات :
تبارك : تعاظم .
وتعالى : تنزه عما لا يليق بكماله .
كتب الحسنات والسيئات : قدرهما في علمه على وفق الواقع .
بين ذلك : للكتبة من الملائكة .
كتبها الله : للذي هم بها ، أي أمر الحفظة بكتابتها .
حسنة كاملة : لا نقص فيها ، وإن نشأت عن مجرد الهم .
ضعف : بكسر الضاد مثل وقيل مثلين .
إلى أضعاف كثيرة : بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم ، وحضور القلب ، وتعدى النفع .
سيئة واحدة :تفضلا منه سبحانه ، حيث لم يأخذ عبده بمجرد الهم في جانب السيئة ، ولم يضاعفها عليه بعد وقوعها .
يستفاد منه :
1- بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة ، إذ لو ما ذكر في الحديث لعظمت المصيبة ، لأن عمل العباد للسيئات أكثر .
2- أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب ، خلافا لمن قال إنهم لا يكتبون إلا ألأعمال الظاهرة .
3- أن الهم بالحسنة يكتب حسنة كاملة .
4- أن من هم بالحسنة فعلمها كتبها الله عنده عشر حسنات ، إلا أن يشاء الزيادة على ذلك .
5- أن الهم بالسيئة من غير عمل يكتب حسنة ، لكن الترك الذي يثاب عليه هو الترك مع القدرة لوجه الله عز وجل ، لما في بعض روايات هذا الحديث ((......إ،ما تركها من جرائى )).
6- أن السيئة تكتب بمثلها من غير مضاعفة ولا ينافي ذلك أنها تعظم بشرف الزمان والمكان ، أو قوة معرفة الفاعل لله وقربه منه .
7- أن التضعف لا يتقيد بسبعمائة .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )).رواه مسلم .
المفردات :
رأى : علم .
منكم : معشر المسلمين المكلفين .
منكرا : شيئا قبحه الشرع فعلا وقولا ، ولو صغيرا.
فليغيره : فليزله .
بيده : حيث كان مما يزال بها ، ككسر آلة لهو ، وآنية خمر .
فإن لم يستطع : الإنكار بيده ، لكون فاعله أقوى منه ، ويلحقه الضرر بالتغيير باليد .
فبلسانه : بالقول : كالتذكير ، أو بالتوبيخ .
فإن لم يستطع : ذلك بلسانه لوجود ما نع ، كخوف فتنة ، أو خوف على نفس ، أو نحو ذلك .
فبقلبه : ينكره وجوبا بأن يكرهه به ، ويعزم أنه لو قدر يقول ، أو فعل لقال وفعل .
وذلك : الإنكار بالقلب .
أضعف الإيمان : أقله ثمرة .
يستفاد منه :
1- وجوب تغيير المنكر بكل ما أمكنه مما ذكر ، فلا يكفي الوعظ لمن تمكنه إزالته بيده ، ولا القلب لمن تمكنه إزالته باللسان .
2- أن الإنكار إنما يتعلق بتحقيق الشيء ، وليس على الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر اقتحام الدور بالظنون ، إلا إذا أخبره من يثق بقوله : أن رجلا خلا برجل ليقتله ، أو بامرأة ليزني بها ، أو نحو ذلك مما لا يتدارك ، فإنه يجب عليه البحث خوف الفوات .
3- أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان ، وفعلها أفضل ممن تركها عجزا ، كما يدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في النساء : أما نقصان دينها فإنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي ، فدل على أن من قدر على الواجب وفعله أولى ، وأفضل ممن تركه عجزا ، أو معذورا .
4- أن عدم إنكار المنكر بالقلب دليل على ذهاب الإيمان منه ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله ع نه : (( هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ))
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ولا تباغضوا ،ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره . التقوى ههنا _ ويشير إلى صدره ثلاث مرات _ بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )) . رواه مسلم
المفردات :
لا تحاسدوا : لا يحسد بعضكم بعضا .
ولا تناجشوا : لا يزد بعضكم في ثمن سلعة لا يريد شراءها . ليخدع بذلك غيره ممن يرغب فيها .
ولا تباغضوا : لا تتعاطوا أسباب التباغض .
ولا تدابروا : لا يعط أحد منكم أخاه دبره حين يلقاه مقاطعة له .
ولا يبع بعضكم على بيع بعض : بأن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار : افسخ هذا البيع ، وأنا أبيعك مثله بأرخص منه ثمنه ، أو أجود منه بثمنه . أو يكون المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا ، ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه ، أو يعطيه بأنقص ، وهذا بعد استقرار الثمن ، أما قبل الرضا فليس بحرام .
وكونوا عباد الله أخوانا : كالتعليل لما تقدم ، أي تعاملوا معاملة الأخوة في المودة ، والرفق والشفقة والملاطفة ، والتعاون في الخير ، ونحو ذلك مع صفاء القلوب .
المسلم أخو المسلم : لأنه يجمعهما دين واحد ، قال تعالى : (( إنما المؤمنون أخوة )) .
لا يظلمه : لا يدخل عليه ضررا في نفسه ، أو دينه ، أو عرضه ، أو ماله بغير إذن شرعي .
ولا يخذله : لا يترك نصرته المشروعة ، لأن من حق حقوق أخوة الإسلام : التناصر .
ولا يكذبه : بفتح ياء المضارعة ، وتخفيف الذال المكسورة على الأشهر ، ويجوز ضم أوله وإسكان ثانية _ لا يخبره بأمر خلاف الواقع .
ولا يحقره : بالحاء المهملة والقاف _ لا يستصغر شأنه ويضع من قدره ، لأن الله لما خلقه لم يحقره بل رفعه وخاطبه وكلفه .
التقوى : اجتناب عذاب الله بفعل المأمور ،و ترك المحظور .
بحسب امريء من الشر : يكفيه من الشر .
عرضه : حسبه ، وهو مفاخره ومفاخر آبائه ، وقد يراد به النفس .
يستفاد منه :
1- تحريم الحسد ،والتباغض ، و التدابر ، وبيع البعض على بيع البعض .
2- النهي عن أذية المسلم بأي وجه من الوجوه من قول أو فعل .
3- النهي عن الأهواء المضلة ، لأنها توجب التباغض .
4- الأمر باكتساب ما يصير به المسلمون إخوانا على الإطلاق ، ويدخل في ذلك أداء حقوق المسلم على المسلم : كر د السلام ، وابتدائه ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، والنصح .
5- تحريم الظلم .
6- أن من حقوق المسلم على المسلم نصره إذا احتاج إليه ، سواء كان ذلك الأمر دنيويا مثل أن يقدر على دفع عدو يريد أن يبطش به ، فيجب عليه دفعه ، أو دينيا مثل أن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فيجب عليه حينئذ النصح ، وتركه هو الخذلان المحرم .
7- التحذير من تحقير المسلم ، فإن الله لم يحقره إذ خلقه ، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض ، وسماه مسلما ، ومؤمنا ، وعبدا ، وجعل الرسول منه إليه محمدا صلى الله عليه وسلم . فمن حقر مسلما من المسلمين فقد حقر ما عظمه الله تعالى .
8- إن عمدة التقوى ما في القلب من عظمة الله ، وخشيته ومراقبته ، ولا اعتبار بمجر د الأعمال الصالحة بدون ذلك .
9- تحريم دماء المسلمين ، وأموالهم وأعراضهم .
الحديث السادس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من نفس عن مؤمن كربة ن كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) رواه مسلم بهذا اللفظ .
المفردات :
نفس : أزال وفرج .
كربة : شدة عظيمة ، وهي ما أهم النفس ، وغم القلب .
ومن يسر على معسر : بإنظاره إلى الميسرة ، أو بإعطائه ما يزول به إعساره ،أو بالوضع عنه إن كان غريما .
يسر الله عليه : أموره ومطالبه .
ومن ستر مسلما : لم يعرف بأذى ، أو فساد ، بأن علم منه وقوع معصية فيما مضى ، لم يخبر بها أحدا .
ستره الله في الدنيا والآخرة : بألا يعاقبه على ما فرط منه .
من سلك طريقا : بالمشي بالأقدام إلى مجالس العلم ، ويتناول أيضا الطريق المعنوي : كالحفظ والمذاكرة والمطالعة والتفهم .
يلتمس : يطلب .
علما : شرعيا ، قاصدا به وجه الله تعالى.
سهل الله له طريقا إلى الجنة : بتيسير ذلك العلم الذي طلبه والعمل بمقتضاه أو علوم أخرى توصله إلى الجنة ، ويحتمل أن يراد به تسهيل طريق الجنة الحسي يوم القيامة وهو الصراط .
من بيوت الله : المساجد .
السكينة : الطمأنينة والوقار .
غشيتهم الرحمة : شملتهم من كل جهة .
حفتهم الملائكة : أحاطت بهم بحيث لا يدعون للشيطان فرجة يتوصل منها للذاكرين .
وذكرهم الله : أثنى عليهم .
فيمن عنده : من الملائكة .
بطأ : قصر ، لفقد بعض شروط الصحة أو الكمال .
لم يسرع به نسبه : لم يلحقه برتب أصحاب الأعمال الكاملة : لأن المسارعة إلى السعادة بالأعمال لا بالأحساب .
يستفاد منه :
1- فضل قضاء حاجات المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم . أو جاه أو مال ، أو إشارة ، أو نصح ، أو دلالة على خير ، أو إعانة بنفسه ، أو بوساطته ، أو الدعاء بظهر الغيب .
2- الترغيب في التيسير على المعسر . والأحاديث في فضل ذلك كثيرة ، منها خبر مسلم : (( من سره أن ينجيه الله تعالى من كرب يوم القيامة ، فليقض عن معسر أو يضع عنه )) .
3- الترغيب في ستر المسلم الذي لم يكن معروفا بالفساد أما المعروف الذي لا يبالي ما ارتكب منه ، ولا بما قيل له ، فلا يستر عليه ، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة ، لأن الستر على ذلك يطغيه في الفساد وانتهاك الحرمات ، ويجزيء غيره على مثل فعله . وهذا كله إنما هو في معصية انقضت ، أما التي رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها ، ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل له التأخير ، فإن عجز لزمه رفع ذلك إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة.
4- أن العبد إذا عزم على معاونة أخيه فينبغي له أن لا يجبن عن إنفاذ قوله وصدعه بالحق ، إيمانا بأن الله تعالى في عونه .
5- فضل الاشتغال بطلب العلم .
6- الحث على الاجتماع على تلاوة القرآن في المساجد .
7- أن الجزاء إنما رتبه الله على الأعمال لا على الأنساب .
8- أن الجزاء تارة يكون من جنس الفعل .
الحديث السابع والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : (( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة )) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف .
المفردات :
تبارك : تعاظم .
وتعالى : تنزه عما لا يليق بكماله .
كتب الحسنات والسيئات : قدرهما في علمه على وفق الواقع .
بين ذلك : للكتبة من الملائكة .
كتبها الله : للذي هم بها ، أي أمر الحفظة بكتابتها .
حسنة كاملة : لا نقص فيها ، وإن نشأت عن مجرد الهم .
ضعف : بكسر الضاد مثل وقيل مثلين .
إلى أضعاف كثيرة : بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم ، وحضور القلب ، وتعدى النفع .
سيئة واحدة :تفضلا منه سبحانه ، حيث لم يأخذ عبده بمجرد الهم في جانب السيئة ، ولم يضاعفها عليه بعد وقوعها .
يستفاد منه :
1- بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة ، إذ لو ما ذكر في الحديث لعظمت المصيبة ، لأن عمل العباد للسيئات أكثر .
2- أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب ، خلافا لمن قال إنهم لا يكتبون إلا ألأعمال الظاهرة .
3- أن الهم بالحسنة يكتب حسنة كاملة .
4- أن من هم بالحسنة فعلمها كتبها الله عنده عشر حسنات ، إلا أن يشاء الزيادة على ذلك .
5- أن الهم بالسيئة من غير عمل يكتب حسنة ، لكن الترك الذي يثاب عليه هو الترك مع القدرة لوجه الله عز وجل ، لما في بعض روايات هذا الحديث ((......إ،ما تركها من جرائى )).
6- أن السيئة تكتب بمثلها من غير مضاعفة ولا ينافي ذلك أنها تعظم بشرف الزمان والمكان ، أو قوة معرفة الفاعل لله وقربه منه .
7- أن التضعف لا يتقيد بسبعمائة .
الحديث الثامن والثلاثون
الحديث الثامن والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى قال :من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )). رواه البخاري .
المفردات :
عادى : من المعاداة ضد الموالاة ، وفي رواية : (( من أهان ))
وليا : وهو العالم به ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته .
آذنته بالحرب : أعلمته بأني محارب له .
عبدي : هذه الإضافة للتشريف .
يتقرب إلي : يطلب القرب مني ، وفي رواية : (( يتحبب إلى ))
بالنوافل : التطوعات من جميع أصناف العبادات .
كنت سمعه إلخ : المراد بهذا حفظ هذه المذكورات من أن تستعمل في معصية ، فلا يسمع ما لم يأذن له الشرع بسماعه ، ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له في مدها إليه ، ولا يسعى إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه .
لأعطينه : ما سأل .
ولئن استعادني : بنون الوقاية وروي بباء موحدة تحتية , والأول أشهر .
لأعيذنه : مما يخاف .
يستفاد منه :
1- أن الله سبحانه وتعالى قدم الإعذار إلى كل من عادى وليا أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة . ولا يدخل في ذلك ما تقتضيه الأحوال في بعض المرات من النزاع بين وليين لله تعلى في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق غامض ، فإن هذا قد وقع بين كثير من أولياء الله عز وجل .
2- أن أداء الفرائض هو أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وذلك لما فيها من إظهار عظمة الربوبية ، وذل العبودية .
3- أن النافلة إنما تقبل إذا أديت الفريضة ، لأنها لا تسمى نافلة إلا إذا قضيت الفريضة .
4- أن أولياء الله تعالى هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه ، فظهر بذلك بطلان دعوى أن هناك طريقا إلى الولاية غير التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها .
5- أن من أتى بما وجب عليه ، وتقرب بالنوافل وفقه الله بحيث لا يسمع ما لم يأذن به الشرع ، ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له الشرع في مدها إليه ، ولا يسعى إلا فيما أذن له في السعي إليه . وهذا هو المراد بقوله : (( كنت سمعه إلخ )) لا ما يذكره الاتحادية و الحلولية . تعالى الله عن قولهم .
6- أن من كان بالمنزلة المذكورة صار مجاب الدعوة .
7- أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات لا ينقطع عن الطلب من ربه لما في ذلك من الخضوع له ، وإظهار العبودية .
الحديث التاسع والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله تجاوز لي عن أمتي : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) حديث حسن رواه بان ماجه ، والبيهقي وغيرهما .
المفردات :
تجاوز : رفع .
عن أمتي : أمة الإجابة .
الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئا فيصادف غير ما قصد .
والنسيان : بكسر النون _ ضد الذكر .
استكرهوا عليه : حملوا عليه قهرا .
يستفاد منه :
رفع الإثم عن المخطىء والناسي والمستكره ، وأما الحكم فغير مرفوع ، فلو أتلف شيئا خطأ ، أو ضاعت منه الوديعة نسيانا ضمن ، ويستثنى من الإكراه : الزنى والقتل فلا يباحان بالإكراه ، ويستثنى من النسيان : ما تعاطى الإنسان سببه ، فإنه يأثم بفعله لتقصيره .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى قال :من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )). رواه البخاري .
المفردات :
عادى : من المعاداة ضد الموالاة ، وفي رواية : (( من أهان ))
وليا : وهو العالم به ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته .
آذنته بالحرب : أعلمته بأني محارب له .
عبدي : هذه الإضافة للتشريف .
يتقرب إلي : يطلب القرب مني ، وفي رواية : (( يتحبب إلى ))
بالنوافل : التطوعات من جميع أصناف العبادات .
كنت سمعه إلخ : المراد بهذا حفظ هذه المذكورات من أن تستعمل في معصية ، فلا يسمع ما لم يأذن له الشرع بسماعه ، ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له في مدها إليه ، ولا يسعى إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه .
لأعطينه : ما سأل .
ولئن استعادني : بنون الوقاية وروي بباء موحدة تحتية , والأول أشهر .
لأعيذنه : مما يخاف .
يستفاد منه :
1- أن الله سبحانه وتعالى قدم الإعذار إلى كل من عادى وليا أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة . ولا يدخل في ذلك ما تقتضيه الأحوال في بعض المرات من النزاع بين وليين لله تعلى في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق غامض ، فإن هذا قد وقع بين كثير من أولياء الله عز وجل .
2- أن أداء الفرائض هو أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وذلك لما فيها من إظهار عظمة الربوبية ، وذل العبودية .
3- أن النافلة إنما تقبل إذا أديت الفريضة ، لأنها لا تسمى نافلة إلا إذا قضيت الفريضة .
4- أن أولياء الله تعالى هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه ، فظهر بذلك بطلان دعوى أن هناك طريقا إلى الولاية غير التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها .
5- أن من أتى بما وجب عليه ، وتقرب بالنوافل وفقه الله بحيث لا يسمع ما لم يأذن به الشرع ، ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له الشرع في مدها إليه ، ولا يسعى إلا فيما أذن له في السعي إليه . وهذا هو المراد بقوله : (( كنت سمعه إلخ )) لا ما يذكره الاتحادية و الحلولية . تعالى الله عن قولهم .
6- أن من كان بالمنزلة المذكورة صار مجاب الدعوة .
7- أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات لا ينقطع عن الطلب من ربه لما في ذلك من الخضوع له ، وإظهار العبودية .
الحديث التاسع والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله تجاوز لي عن أمتي : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) حديث حسن رواه بان ماجه ، والبيهقي وغيرهما .
المفردات :
تجاوز : رفع .
عن أمتي : أمة الإجابة .
الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئا فيصادف غير ما قصد .
والنسيان : بكسر النون _ ضد الذكر .
استكرهوا عليه : حملوا عليه قهرا .
يستفاد منه :
رفع الإثم عن المخطىء والناسي والمستكره ، وأما الحكم فغير مرفوع ، فلو أتلف شيئا خطأ ، أو ضاعت منه الوديعة نسيانا ضمن ، ويستثنى من الإكراه : الزنى والقتل فلا يباحان بالإكراه ، ويستثنى من النسيان : ما تعاطى الإنسان سببه ، فإنه يأثم بفعله لتقصيره .
الحديث الأربعون
الحديث الأربعون
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنكبي فقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل _ وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول _ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )) رواه البخاري
المفردات :
بمنكبي : بفتح الميم وكسر الكاف _ مجمع العضد والكتف . ويروى بالإفراد والتثنية .
كأنك غريب : لا يجد من يستأنس به ، ولا مقصد له إلا الخروج عن غربته إلى وطنه من غير أن ينافس أحدا.
أو عابر سبيل : المار في الطريق ، الطالب وطنه ، و(أو) بمعنى بل ، من قبيل الترقي من الغريب الذي ربما تطمئن نفسه إلى بلد الغربة إلى عابر السبيل الذي ليس كذلك .
فلا تنتظر الصباح : بأعمال الليل .
فلا تنتظر المساء : لأن لكل من الصباح والمساء عملا يخصه إذا أخر عنه لم يستدرك كماله وإن شرع قضاؤه .
وخذ من صحتك لمرضك : اغتنم العمل حال الصحة فإنه ربما عرض مرض مانع منه ، فتقدم الميعاد بغير زاد .
ومن حياتك لموتك : اعمل في حياتك ما تلقى نفعه بعد موتك ، فإنه ليس بعد الموت إلا انقطاع العمل .
يستفاد منه :
1- مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم للتأنيس والتنبيه .
2- الابتداء بالنصيحة والإرشاد لمن لم يطلب ذلك .
3- مخاطبة الواحد وإرادة الجمع ، فإن هذا لا يخص ابن عمر ، بل يعم جميع الأمة .
4- الحض على ترك الدنيا والزهد فيها ، وألا يأخذ منها الإنسان إلا مقدار الضرورة المعينة على الآخرة.
5- التحذير من الرذائل ، إذ الغريب لقلة معرفته بالناس قليل الحسد والعداوة ، والحقد والنفاق ، والنزاع وجميع الرذائل التي تنشأ بالاختلاط بالخلائق ولقلة إقامته قليل الدار والبستان والمزرعة ، وسائر الأشياء التي تشغل عن الخالق من لم يوفقه الله .
6- تقصير الأمل ، والاستعداد للموت .
7- المسارعة إلى الأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ، ويحول مرض أو موت ، أو بعض الآيات التي لا يقبل معها عمل .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنكبي فقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل _ وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول _ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )) رواه البخاري
المفردات :
بمنكبي : بفتح الميم وكسر الكاف _ مجمع العضد والكتف . ويروى بالإفراد والتثنية .
كأنك غريب : لا يجد من يستأنس به ، ولا مقصد له إلا الخروج عن غربته إلى وطنه من غير أن ينافس أحدا.
أو عابر سبيل : المار في الطريق ، الطالب وطنه ، و(أو) بمعنى بل ، من قبيل الترقي من الغريب الذي ربما تطمئن نفسه إلى بلد الغربة إلى عابر السبيل الذي ليس كذلك .
فلا تنتظر الصباح : بأعمال الليل .
فلا تنتظر المساء : لأن لكل من الصباح والمساء عملا يخصه إذا أخر عنه لم يستدرك كماله وإن شرع قضاؤه .
وخذ من صحتك لمرضك : اغتنم العمل حال الصحة فإنه ربما عرض مرض مانع منه ، فتقدم الميعاد بغير زاد .
ومن حياتك لموتك : اعمل في حياتك ما تلقى نفعه بعد موتك ، فإنه ليس بعد الموت إلا انقطاع العمل .
يستفاد منه :
1- مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم للتأنيس والتنبيه .
2- الابتداء بالنصيحة والإرشاد لمن لم يطلب ذلك .
3- مخاطبة الواحد وإرادة الجمع ، فإن هذا لا يخص ابن عمر ، بل يعم جميع الأمة .
4- الحض على ترك الدنيا والزهد فيها ، وألا يأخذ منها الإنسان إلا مقدار الضرورة المعينة على الآخرة.
5- التحذير من الرذائل ، إذ الغريب لقلة معرفته بالناس قليل الحسد والعداوة ، والحقد والنفاق ، والنزاع وجميع الرذائل التي تنشأ بالاختلاط بالخلائق ولقلة إقامته قليل الدار والبستان والمزرعة ، وسائر الأشياء التي تشغل عن الخالق من لم يوفقه الله .
6- تقصير الأمل ، والاستعداد للموت .
7- المسارعة إلى الأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ، ويحول مرض أو موت ، أو بعض الآيات التي لا يقبل معها عمل .
رد: تابع التحفة الربانية
الحديث الحادي والأربعون
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )) حديث حسن صحيح ، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
المفردات :
لا يؤمن أحدكم : الإيمان الكامل ، الذي وعد الله أهله بدخول الجنة ، والنجاة من النار.
هواه : بالقصر _ ما تحبه وتميل نفسه إليه .
تبعا لما جئت به : من هذه الشريعة المطهرة الكاملة ، بأن يميل قلبه وطبعه إليه كميله لمحبوباته الدنيوية التي جبل على الميل بها .
يستفاد منه :
1- أن من كان هواه تابعا لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا كاملا .
الحديث الثاني والأربعون
عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات :
ما دعوتني : لمغفرة ذنوبك و (( ما )) مصدرية ظرفية .
ورجوتني : والحال أنك ترجو تفضلي عليك . وإجابة دعائك .
غفرت لك : ذنوبك ، أي سترتها عليك ولا أعاقبك بها في الآخرة .
على ما كان منك : من تكرار المعاصي .
ولا أبالي : لا أكترث بذنوبك ولا أستكثرها وإن كثرت إذ لا يتعاظمني شيء.
عنان : بفتح المهملة _ سحاب .
استغفرتني : طلبت مني وقاية شرها مع سترها .
بقراب الأرض : بضم القاف وكسرها ، والضم أشهر ، أي بقريب ملئها ، أو بمثلها .
لقيتني : مت على الإيمان .
لا تشرك بي شيئا : لاعتقادك توحيدي ، والتصديق برسلي وبما جاءوا به .
يستفاد منه :
1- سعة كرم الله تعالى وجوده .
2- الرد على الذين يكفرون المسلمين بالذنوب ، وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين ، بمعنى أنه ليس بمؤمن و لا كافر في الدنيا ، ويخلد في النار في الآخرة . والصواب قول أهل السنة : أن العاصي لا يسلب عنه اسم الإيمان ، ولا يعطاه على الإطلاق ، بل يقال : هو مؤمن عاص ، أو مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، وعلى هذا يدل الكتاب والسنة ، وأجماع سلف الأمة .
3- بيان معنى لا إله إلا الله : أنه هو إفراد الله بالعبادة ، وترك الشرك قليله وكثيره .
4- حصول المغفرة بهذه الأسباب الثلاثة :
الدعاء مع الرجاء ، والاستغفار والتوحيد وهو السبب الأعظم الذي فقه فقد المغفرة ، ومن جاء به فقد جاء بأعظم أسباب المغفرة .
الحديث الثالث والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
الفرائض : الأنصباء المقررة في كتاب الله تعالى ، وهي : النصف ، ونصفه ، وهو الربع . ونصف نصفه ، وهو الثمن . والثلثان ، ونصفهما ، وهو الثلث . ونصف نصفهما ، وهو السدس .
بأهلها : من يستحقها بنص القرآن .
فما أبقت الفرائض : بعد أخذ كل ذي فرض فرضه .
فلأولى رجل : أقرب رجل في النسب إلى المورث .
ذكر: هذا الوصف للتنبيه على سبب استحقاقه ، وهو الذكورة التي هي سبب العضوية ، وسبب الترجيح في الأرث ، ولذلك جعل للذكر مثل حظ الأنثيين . وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيوف ، والأرقاء والقاصدين ، ومواساة السائلين ، وتحمل الغرمات ، ونحو ذلك .
يستفاد منه :
1- أن ما يبقى بعد الفروض للعصبة ، وهو كل ذكر يدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميت أنثى .
2- تقديم الأقرب فالأقرب ، فلا يرث عاصب بعيد مع عاصب قريب .
3- أنه لا شيء للعاصب إذا استغرقت الفروض التركة .
4- أن العاصب إذا انفرد أخذ جميع المال .
الحديث الرابع والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة )) . أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
الرضاعة : بفتح الراء ، الإرضاع .
تحرم : بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله .
ما تحرم الولادة : مثل ما تحرمه .
يستفاد منه :
1- أن الرضاع كالنسب في التحريم . وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه ، والجمع بين قريبتين وانتشار الحرمة بين الرضيع والأولاد المرضعة ، وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نحو نظر وخلوة وسفر ، لا في باقي الأحكام ، كتوارث ووجوب الإنفاق ونحو ذلك ، ثم التحريم المذكور بالنظر إلى المرضع فإن أقاربه أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع ما عدا أولاده فلا علاقة بينهم وبين المرضع ، فلا يثبت لهم شيء من الأحكام .
الحديث الخامس والأربعون
عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول : (( إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ، ويذهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ قال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله حرم عليهم الشحوم فأجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
عام الفتح : فتح مكة ، وكان في رمضان سنة ثمان من الهجرة .
حرم : بإفراد الضمير ، وإن كان المقام يقتضي التثنية ، إشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشيء عن أمر الله ، وهو نحو قوله تعالى : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
الميتة : بفتح الميم ، ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية .
الأصنام : جمع صنم ، قال الجوهري : هو الوثن ، وقال غيره : الوثن ماله جثة ، والصنم ما كان مصورا .
هو حرام : بيعها حرام ، ومن العلماء من حمل قوله (وهو حرام ) على الانتفاع فقال : يحرم الانتفاع بها .
جملوه : أذابوه .
ما يستفاد منه :
1- تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .
2- إن كل ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه وهذا عام في كل ما كان المقصور من الانتفاع به حراما ، وهو قسمان : أحدهما ما ينتفع به مع بقاء عينه كالأصنام فإن منفعتها المقصودة منه الشرك بالله عز وجل ، وهو أقبح المعاصي على الإطلاق ، ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال ونحوها . والثاني : ما لا ينتفع به إلا مع إتلاف عينه ، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرما فإنه يحرم بيعه كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها منافع غير محرمة ، كأكل الميتة للمضطر ، ودفع الغصة بالخمر ، وإطفاء الحريق به ، والخرز بشعر الخنزير ، والانتفاع بشعره وجلده ، فهذه المنافع لما كانت غير مقصودة لم يعبا به وحرم البيع .
3- أن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة .
الحديث السادس والأربعون
عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري (( أن النبي بعثه إلى اليمن يسأله عن الأِشربة تصنع بها ؟ فقال : وما هي ؟ قال البتع والمزر . فقيل لأبي بردة : ما البتع ؟ قال : نبيذ العسل ، والمزر : نبيذ الشعير . فقال : كل منكر حرام )) . خرجه البخاري .
يستفاد منه :
1- فضيلة أبي موسى الأشعري ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله الإمارة إلا لكونه عاملا فطنا حاذقا ، ولذلك اعتمد عليه عمر ، ثم عثمان ، ثم علي خلافا للخوارج والروافض فإنهم طعنوا فيه .
2- تحريم تناول جميع أنواع المسكرات ، سواء كانت من عصير العنب أو غيره ، وقد تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
3- إن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأله عنه ، إذا كان ذلك مما يحتاج إليه السائل .
4- إن علة التحريم الإسكار فافتضى ذلك تحريم ما يسكر ، ولو لم يكن شرابا كالحشيش ونحوها .
الحديث السابع والأربعون
عن المقدام بن معد يكرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمان يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حديث حسن .
المفردات :
بحسب ابن آدم : يكفيه لسد الرمق ، وإمساك القوة .
لقيمات : جمع لقيمة ، تصغير لقمة
يقمن صلبه : ظهره ليتقوى على الطاعة .
فإن كان لا محالة : من التجاوز عما ذكر فلتكن أثلاثا .
فثلث لطعامه : مأكوله يجعله له .
وثلث لشرابه : مشروبه يجعله له .
وثلث لنفسه : بالتحريك يدعه له ليتمكن من التنفس ، ويحصل له نوع صفاء ورقة .
يستفاد منه :
1- عدم التوسع في الأكل والشرب ، وهذا أصل جامع لأصول الطب كلها ، لو استعمله الناس لتعطلت دكاكين الصيادلة لأن أصل كل داء التخمة ، فهذا بعض منافع قلة الغذاء وترك التملؤ من الطعام بالنسبة إلى صحة البدن ، وأما منافعها بالنسبة إلى القلب ، فهي أنها توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب ، بخلاف التوسع في الأكل والشرب فإنه يثقل البدن ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .
الحديث الثامن والأربعون
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت فيهن خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
أربع : من الخصال .
كان منافقا خالصا : نفاق عمل .
منهن : من هؤلاء الأربع .
خصلة : بفتح الخاء ، خلة .
يدعها : يتركها .
حدث : أخبر عن ماضي الأحوال .
وإذا وعد : الخير .
أخلف : لم يف .
فجر : مال في الخصومة عن الحق ، واحتال في رده .
غدر : نقض العهد .
يستفاد منه :
1- التحذير من التخلق بهذه الأخلاق الخبيئة التي يرجع إليها أصول النفاق الأصغر نفاق العمل وهو
أن يظهر الإنسان علانية صالحة . ويبطن ما يخالف ذلك . وأما النفاق الأكبر فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بذم أهله ، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار .
2- الحث على سلامة القول والفعل والنية ، فإن فساد القول بالكذب وفساد النية بالإخلاف ، وفساد الفعل بالغدر .
الحديث التاسع والأربعون
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا )) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ، وقال الترمذي حسن صحيح .
المفردات :
حق توكله : بالاعتماد على الله عز وجل دون غيره في استجلاب المصالح ، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة ، مع الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا ينفع سوى الله تعالى .
خماصا :ضامرة البطون من الجوع .
تروح : ترجع آخر النهار .
بطانا : ممتلئة البطون .
يستفاد منه :
1- فضيلة التوكل ، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق ، قال الله تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
2- أن التوكل لا ينافي النظر إلى الأسباب ، فإنه أخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق ، ولهذا سئل الأمام أحمد عن رجل جلس في بيته ، أو في المسجد وقال : لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي ، قال أحمد : هذا رجل جهل العلم واستدل بهذا الحديث .
الحديث الخمسون
عن عبد الله بن بسر قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فباب نتمسك به جامع ؟ قال : (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله )) خرجه الإمام أحمد بهذا اللفظ .
المفردات :
فباب نتمسك به جامع : ليسهل عني أداءها ، أو يحصل به فضل ما فات منها من غير الفرائض ، ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات .
يستفاد منه :
1- فضل المداومة على ذكر الله تعالى . نسأل الله تعلى التوفيق وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )) حديث حسن صحيح ، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
المفردات :
لا يؤمن أحدكم : الإيمان الكامل ، الذي وعد الله أهله بدخول الجنة ، والنجاة من النار.
هواه : بالقصر _ ما تحبه وتميل نفسه إليه .
تبعا لما جئت به : من هذه الشريعة المطهرة الكاملة ، بأن يميل قلبه وطبعه إليه كميله لمحبوباته الدنيوية التي جبل على الميل بها .
يستفاد منه :
1- أن من كان هواه تابعا لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا كاملا .
الحديث الثاني والأربعون
عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات :
ما دعوتني : لمغفرة ذنوبك و (( ما )) مصدرية ظرفية .
ورجوتني : والحال أنك ترجو تفضلي عليك . وإجابة دعائك .
غفرت لك : ذنوبك ، أي سترتها عليك ولا أعاقبك بها في الآخرة .
على ما كان منك : من تكرار المعاصي .
ولا أبالي : لا أكترث بذنوبك ولا أستكثرها وإن كثرت إذ لا يتعاظمني شيء.
عنان : بفتح المهملة _ سحاب .
استغفرتني : طلبت مني وقاية شرها مع سترها .
بقراب الأرض : بضم القاف وكسرها ، والضم أشهر ، أي بقريب ملئها ، أو بمثلها .
لقيتني : مت على الإيمان .
لا تشرك بي شيئا : لاعتقادك توحيدي ، والتصديق برسلي وبما جاءوا به .
يستفاد منه :
1- سعة كرم الله تعالى وجوده .
2- الرد على الذين يكفرون المسلمين بالذنوب ، وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين ، بمعنى أنه ليس بمؤمن و لا كافر في الدنيا ، ويخلد في النار في الآخرة . والصواب قول أهل السنة : أن العاصي لا يسلب عنه اسم الإيمان ، ولا يعطاه على الإطلاق ، بل يقال : هو مؤمن عاص ، أو مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، وعلى هذا يدل الكتاب والسنة ، وأجماع سلف الأمة .
3- بيان معنى لا إله إلا الله : أنه هو إفراد الله بالعبادة ، وترك الشرك قليله وكثيره .
4- حصول المغفرة بهذه الأسباب الثلاثة :
الدعاء مع الرجاء ، والاستغفار والتوحيد وهو السبب الأعظم الذي فقه فقد المغفرة ، ومن جاء به فقد جاء بأعظم أسباب المغفرة .
الحديث الثالث والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
الفرائض : الأنصباء المقررة في كتاب الله تعالى ، وهي : النصف ، ونصفه ، وهو الربع . ونصف نصفه ، وهو الثمن . والثلثان ، ونصفهما ، وهو الثلث . ونصف نصفهما ، وهو السدس .
بأهلها : من يستحقها بنص القرآن .
فما أبقت الفرائض : بعد أخذ كل ذي فرض فرضه .
فلأولى رجل : أقرب رجل في النسب إلى المورث .
ذكر: هذا الوصف للتنبيه على سبب استحقاقه ، وهو الذكورة التي هي سبب العضوية ، وسبب الترجيح في الأرث ، ولذلك جعل للذكر مثل حظ الأنثيين . وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيوف ، والأرقاء والقاصدين ، ومواساة السائلين ، وتحمل الغرمات ، ونحو ذلك .
يستفاد منه :
1- أن ما يبقى بعد الفروض للعصبة ، وهو كل ذكر يدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميت أنثى .
2- تقديم الأقرب فالأقرب ، فلا يرث عاصب بعيد مع عاصب قريب .
3- أنه لا شيء للعاصب إذا استغرقت الفروض التركة .
4- أن العاصب إذا انفرد أخذ جميع المال .
الحديث الرابع والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة )) . أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
الرضاعة : بفتح الراء ، الإرضاع .
تحرم : بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله .
ما تحرم الولادة : مثل ما تحرمه .
يستفاد منه :
1- أن الرضاع كالنسب في التحريم . وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه ، والجمع بين قريبتين وانتشار الحرمة بين الرضيع والأولاد المرضعة ، وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نحو نظر وخلوة وسفر ، لا في باقي الأحكام ، كتوارث ووجوب الإنفاق ونحو ذلك ، ثم التحريم المذكور بالنظر إلى المرضع فإن أقاربه أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع ما عدا أولاده فلا علاقة بينهم وبين المرضع ، فلا يثبت لهم شيء من الأحكام .
الحديث الخامس والأربعون
عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول : (( إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ، ويذهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ قال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله حرم عليهم الشحوم فأجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
عام الفتح : فتح مكة ، وكان في رمضان سنة ثمان من الهجرة .
حرم : بإفراد الضمير ، وإن كان المقام يقتضي التثنية ، إشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشيء عن أمر الله ، وهو نحو قوله تعالى : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
الميتة : بفتح الميم ، ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية .
الأصنام : جمع صنم ، قال الجوهري : هو الوثن ، وقال غيره : الوثن ماله جثة ، والصنم ما كان مصورا .
هو حرام : بيعها حرام ، ومن العلماء من حمل قوله (وهو حرام ) على الانتفاع فقال : يحرم الانتفاع بها .
جملوه : أذابوه .
ما يستفاد منه :
1- تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .
2- إن كل ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه وهذا عام في كل ما كان المقصور من الانتفاع به حراما ، وهو قسمان : أحدهما ما ينتفع به مع بقاء عينه كالأصنام فإن منفعتها المقصودة منه الشرك بالله عز وجل ، وهو أقبح المعاصي على الإطلاق ، ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال ونحوها . والثاني : ما لا ينتفع به إلا مع إتلاف عينه ، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرما فإنه يحرم بيعه كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها منافع غير محرمة ، كأكل الميتة للمضطر ، ودفع الغصة بالخمر ، وإطفاء الحريق به ، والخرز بشعر الخنزير ، والانتفاع بشعره وجلده ، فهذه المنافع لما كانت غير مقصودة لم يعبا به وحرم البيع .
3- أن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة .
الحديث السادس والأربعون
عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري (( أن النبي بعثه إلى اليمن يسأله عن الأِشربة تصنع بها ؟ فقال : وما هي ؟ قال البتع والمزر . فقيل لأبي بردة : ما البتع ؟ قال : نبيذ العسل ، والمزر : نبيذ الشعير . فقال : كل منكر حرام )) . خرجه البخاري .
يستفاد منه :
1- فضيلة أبي موسى الأشعري ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله الإمارة إلا لكونه عاملا فطنا حاذقا ، ولذلك اعتمد عليه عمر ، ثم عثمان ، ثم علي خلافا للخوارج والروافض فإنهم طعنوا فيه .
2- تحريم تناول جميع أنواع المسكرات ، سواء كانت من عصير العنب أو غيره ، وقد تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
3- إن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأله عنه ، إذا كان ذلك مما يحتاج إليه السائل .
4- إن علة التحريم الإسكار فافتضى ذلك تحريم ما يسكر ، ولو لم يكن شرابا كالحشيش ونحوها .
الحديث السابع والأربعون
عن المقدام بن معد يكرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمان يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حديث حسن .
المفردات :
بحسب ابن آدم : يكفيه لسد الرمق ، وإمساك القوة .
لقيمات : جمع لقيمة ، تصغير لقمة
يقمن صلبه : ظهره ليتقوى على الطاعة .
فإن كان لا محالة : من التجاوز عما ذكر فلتكن أثلاثا .
فثلث لطعامه : مأكوله يجعله له .
وثلث لشرابه : مشروبه يجعله له .
وثلث لنفسه : بالتحريك يدعه له ليتمكن من التنفس ، ويحصل له نوع صفاء ورقة .
يستفاد منه :
1- عدم التوسع في الأكل والشرب ، وهذا أصل جامع لأصول الطب كلها ، لو استعمله الناس لتعطلت دكاكين الصيادلة لأن أصل كل داء التخمة ، فهذا بعض منافع قلة الغذاء وترك التملؤ من الطعام بالنسبة إلى صحة البدن ، وأما منافعها بالنسبة إلى القلب ، فهي أنها توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب ، بخلاف التوسع في الأكل والشرب فإنه يثقل البدن ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .
الحديث الثامن والأربعون
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت فيهن خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )) أخرجه البخاري ومسلم .
المفردات :
أربع : من الخصال .
كان منافقا خالصا : نفاق عمل .
منهن : من هؤلاء الأربع .
خصلة : بفتح الخاء ، خلة .
يدعها : يتركها .
حدث : أخبر عن ماضي الأحوال .
وإذا وعد : الخير .
أخلف : لم يف .
فجر : مال في الخصومة عن الحق ، واحتال في رده .
غدر : نقض العهد .
يستفاد منه :
1- التحذير من التخلق بهذه الأخلاق الخبيئة التي يرجع إليها أصول النفاق الأصغر نفاق العمل وهو
أن يظهر الإنسان علانية صالحة . ويبطن ما يخالف ذلك . وأما النفاق الأكبر فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بذم أهله ، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار .
2- الحث على سلامة القول والفعل والنية ، فإن فساد القول بالكذب وفساد النية بالإخلاف ، وفساد الفعل بالغدر .
الحديث التاسع والأربعون
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا )) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ، وقال الترمذي حسن صحيح .
المفردات :
حق توكله : بالاعتماد على الله عز وجل دون غيره في استجلاب المصالح ، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة ، مع الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا ينفع سوى الله تعالى .
خماصا :ضامرة البطون من الجوع .
تروح : ترجع آخر النهار .
بطانا : ممتلئة البطون .
يستفاد منه :
1- فضيلة التوكل ، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق ، قال الله تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
2- أن التوكل لا ينافي النظر إلى الأسباب ، فإنه أخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق ، ولهذا سئل الأمام أحمد عن رجل جلس في بيته ، أو في المسجد وقال : لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي ، قال أحمد : هذا رجل جهل العلم واستدل بهذا الحديث .
الحديث الخمسون
عن عبد الله بن بسر قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فباب نتمسك به جامع ؟ قال : (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله )) خرجه الإمام أحمد بهذا اللفظ .
المفردات :
فباب نتمسك به جامع : ليسهل عني أداءها ، أو يحصل به فضل ما فات منها من غير الفرائض ، ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات .
يستفاد منه :
1- فضل المداومة على ذكر الله تعالى . نسأل الله تعلى التوفيق وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .
مواضيع مماثلة
» لتحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية ومعها شرح الأحاديث التي زادها ابن رجب الحنبلي
» أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين للمؤرخ محمد رضا
» تتابع الأحداث فى امبابة وامام ماسبيرو
» أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين للمؤرخ محمد رضا
» تتابع الأحداث فى امبابة وامام ماسبيرو
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى