منافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
صفحة 1 من اصل 1
منافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
منافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تأليف
د. سليمان بن قاسم العيد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :-
فإن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن جعلنا مسلمين ، ومن أمة سيد المرسلين ، خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة ، لا نحصي عددها ، ولا نطيق شكرها . ومن الواجب علينا تجاه هذه النعم الاجتهاد في شكرها {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} وما شكرت نعمة الإسلام بمثل الحفاظ عليها ، بالعمل بشرائعها ، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.
وإذا تأملنا في هذا الزمان حال المسلمين وحال البلاد الإسلامية، لوجدنا ما يندى له الجبين ، وتدمع له العين ، من ضعف الدين، وعجز المسلمين، فأصبحت أمتنا في هذا الزمان أمة مستضعفة مستهدفة ، تداعى عليها الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها.
واللوم ليس على الأعداء وحدهم، بل نلوم أنفسنا معشر المسلمين {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} نعم بما كسبت أيدينا من معصية الله في التقصير في الواجبات ، والوقوع في المعاصي والمحرمات .
ومن أبرز ما قصر به المسلمون في هذا الزمان واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي أدى إلى التقصير في أمور كثيرة من الدين ، فبتقصير المسلمين في جانب الأمر بالمعروف، بدأ كثير من الناس مع الزمان يتهاونون بالمعروف مع الزمان شيئاً فشيئأ ، فبدأ الأمر بترك النوافل والمستحبات ، وانتهى بترك الفرائض والواجبات . وفي جانب التهاون في إنكار المنكر ، بدأ كثير من الناس شيئاً فشيئاً بفعل المكروهات ، وانتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات .
ولأهمية هذا الموضوع أردت أن أكتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من جانبين أولهما : الحث على فعله ، وذلك بذكر فضائله وآثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع.
والجانب الآخر: التحذير من تركه وذلك بذكر الأضرار المترتبة على تركه في الفرد والمجتمع .
ثم عقبت بعد ذلك بذكر بعض الشبه التي تدور في نفوس بعض الناس، مما يكون سبباً في صدهم عن القيام بهذا العمل الجليل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما بينت مع كل شبهة الرد عليها .
فأرجو من المولى سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الكلمات اليسيرة، تنشيطاً للنفوس ، وإحياءً للقلوب ، للجد والاجتهاد ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما فيه من صلاح للبلاد والعباد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سليمان بن قاسم العيد
الرياض 11595
ص.ب 62922
تمهيد
المعروف والمنكر
المعروف في اللغة : ضد المنكر ، والعرف ضد النكر ، والعارِفُ والعَروفُ الصبور ، ويطلق المعروف على الوجه لأن الإنسان يعرف به، كما يطلق على الجود وقيل : هو اسم ما تبذله وتسديه.( )
المعروف في الاصطلاح : اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله ، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات . وسمي معروفاً لأن العقول السليمة تعرفه .( )
المنكر في اللغة : هو واحد المَناَكِر ، وهو النكر ، قال تعالى {لقد جئتم شيئاً نكراً} ، والنَكِير والإنْكارُ : تغيير المنكر ، والإنكارُ : الجحود ، والتناكرُ : التجاهل .( )
المنكر في الاصطلاح : كل قول وفعل وقصد قبحه الشارع ونهى عنه .( )
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اتفق علماء الأمة على القول بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما أثر عنهم من الأقوال مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة ، ومن ذلك على السبيل المثال ما يلي:-
قال ابن حزم : اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم .( )
وقال النووي : وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة، وإجماع الأمة ، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ، ولا يعتد بخلافهم ، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين : لا يكترث بخلافهم في هذا ، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافاً للمعتزلة.( )
وقال أبو بكر بن العربي : في مطلق قوله تعالى {ولتكن منكم أمة}( ) دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يقوم به المسلم ، وإن لم يكن عدلاً ، خلافاً للمبتدعة الذين يشترطون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العدالة.( )
وقال أبو بكر بن الجصاص : أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه ، وبينه رسوله ص في أخبار متواترة ، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه .( )
وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}( ) في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت في الكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها.( )
أوجه المنافع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الأعمال وأشرفها، لما فيها من المزايا العديدة والفضائل الحميدة ، ولما فيه من الخير العظيم للفرد والمجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :-
1- تحقيق للخيرية
لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة ، أمة محمد ص ، خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، كما في قوله سبحانه وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}( ) قال مجاهد: (({كُنْتُمْ خَيْرَ اُمّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنّاسِ} على الشرائط المذكورة في الآية)) ( ). والشرائط المذكورة في الآية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله. وعلى قول مجاهد: كنتم خيرَ أمّةٍ إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. وقيل: إنما صارت أمة محمد ص خير أمّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفْشَى. وفي هذه الآية مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتَواطَؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذّمّ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم.( )
وقال ابن كثير في تفسيره : يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، فقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} . وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس {كنتم خير أمة أخرجت للناس} يعني خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} . فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ثم قال: ((من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها))...ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب...} .( )
وقال ابن سعدي في تفسيره : هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم ، وأنهم خير الناس للناس ، نصحاً ، ومحبة للخير ، ودعوة، وتعليماً ، وإرشاداً ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، وجمعاً بين تكميل الخلق، والسعي في منافعهم ، بحسب الإمكان ، وبين تكميل النفس بالإيمان بالله ، والقيام بحقوق الإيمان .( )
لا شك أن أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسعى للناس بالخير، بدعوتهم إليه، وتبعد الناس عن الشر بتحذيرهم منه ، هي أنفع أمة للناس . وكما أن هذا الفضل لهذه الأمة على سائر الأمم ، فهو أيضاً فضل يتفاضل به أفراد هذه الأمة بعضهم على بعض، فمن قام منهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أفضل من غيره ، وهو خيرالناس للناس، ومن كان منهم أكثر بذلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر تضحية فلاشك أنه أفضل ممن هو دونه .
ويؤكد هذا ما رواه الإمام أحمد عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال «خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله،وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم»( ) .
وفي المقابل فإن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد زهد في هذه الخيرية، وتنصل من أخص وصف لهذه الأمة ، وتشبه بالذين كفروا من بيني لإسرائيل الذين حقت عليهم اللعنة بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما في قوله سبحانه {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ داودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}( ).
2- طريق للفلاح
الفلاح مكسب عظيم للإنسان فهو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب، ولقد وصف المولى عز وجل عباده المؤمنين في كتاب العزيز في مواضع كثيرة، وعلق فلاحهم على أعمال جليلة ، كالخشوع في الصلاة ، كقوله سبحانه { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } . وعلى الثبات في القتال والإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ}( ) . وعلى التقوى لقوله سبحانه وتعالى {قُل لاّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }( ).
ومن جملة ما علق الله عليه الفلاح من هذه الأعمال الجليلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد جعله الله سبباً للفلاح لمن قام به ، كما في قوله سبحانه وتعالى {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }( ) .
فلاح في الدنيا ، وفلاح في الآخرة ، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة ، بما فيها من سعة الرزق ، وصحة البدن ، وأمن في الوطن ، وصلاح في الأهل والولد ، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة . وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم . فياله من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- إتباع للنبي ص
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات النبي ص التي وصف بها في الكتب المتقدمة ، كما في قوله سبحانه وتعالى {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ...}( ) . وتظهر أهمية هذه الصفة إذا علمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مدار رسالة الرسل التي بعثوا من أجلها ، فهم يدعون إلى كل خير ويحذرون من كل شر ، فهو زبدة الرسالة ومدار البعثة .
قال ابن كثير في تفسيره : {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرسول ص في الكتب المتقدمة، وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام، لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}( ).
وقال ابن سعدي (رحمه الله) : من أعظم وأجل صفته ، ما يدعو إليه ، وينهى عنه، وأنه {يأمرهم بالمعروف} وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه . و{ينهاهم عن المنكر } وهو : كل ما عرف قبحه في العقول ، والفطر . فيأمرهم بالصلاة، والزكاة والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار، والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق ، والعفاف، والبر ، والنصيحة، وما أشبه ذلك. وينهى الشرك بالله، وقتل النفس بغير الحق، والزنا ، وشرب ما يسكر العقل ، والظلم لسائر الخلق، والكذب ، والفجور، ونحو ذلك .( )
فإذا علمت أخي المسلم أن هذه الصفة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) هي أخص صفات النبي ص فاعلم أنك مأمور بالاقتداء بنبيك محمد ص إن كنت ترجو الله واليوم الآخر ، كما في قوله سبحانه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} ، فاجتهد بالاقتداء به في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكن من المفلحين كما سبق بيان ذلك .
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات المؤمنين
كما سبق بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أخص صفات النبي ص فهو أيضاً أخص أوصاف أتباعه على دينه من المؤمنين ، كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( ) .
ذكر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بهذه الصفات الحميدة - أولها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مثنياً عليهم بها ، واعداً لهم بالرحمة عليها ، وكان ذكر هذه الصفات بعد صفات المنافقين الذميمة ، حيث كانوا ضد ما عليه المؤمنون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين قال {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مّقِيمٌ}( ) . فاستحق المنافقون والمنافقات على فعلهم هذا من أمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف أن نسيهم الله أي : ((عاملهم معاملة من نسيهم )) ( ) وتوعدهم بجهنم ، ولعنهم، وأعد لهم عذاباً مقيماً ، فنسأل الله السلامة والعافية من هذه الحال .
وقد ورد وصف المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات أخر ، منها قوله تعالى {التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ }( ).
وقوله سبحانه وتعالى {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ }( ) .
وقوله سبحانه وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}( ) .
ولو تأملنا هذه الصفات الواردة للمؤمنين في الآيات المذكورة لوجدنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقترن بأعظم الأعمال وأجلها ، اقترن بالإيمان بالله ، وبالصلاة والزكاة ونحوها .
إضافة
2214 حدثنا عثمان بن محمد قال عبد الله بن أحمد وسمعته أنا من عثمان بن محمد حدثنا جرير عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر( ) *
فمن ذا الذي يرضى لنفسه أن ينسلخ من صفات المؤمنين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟! لا شك أنه لا يوجد مسلم عاقل يريد لنفسه هذه الحال ، والإنسان الذي لا يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إحدى حالين :-
الأولى : لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وبهذا يكون متشبها بالذين كفروا من بني إسرائيل الذين حقت عليهم اللعنة على لسان الأنبياء .( )
الثانية : أنه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، وهذا فيه شبه من المنافقين السابق ذكرهم في الآية ، ويستحق من الجزاء ما ورد في حقهم .
7- شكر للنعمة
3511 حدثنا وكيع حدثنا المسعودي عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون قال عبد الله فكنت من آخر من أتاه فقال إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ( )*
(والحديث رواه الترمذي وابن ماجة ، كما في قول أحمد شاكر ، ولذا يرجع لشرحه في صحيح الترمذي)
7- مما بايع عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم الأنصار) . كما في مسند الإمام أحمد
13934 حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة حدثنا داود بن مهران حدثنا داود يعني العطار عن ابن خثيم عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين فذكر الحديث وقال حتى إن الرجل ليرحل ضاحية من مضر ومن اليمن وقال مفارقة العرب وقال تخافون من أنفسكم خيفة وقال في البيعة لا نستقيلها حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين فذكر الحديث إلا أنه قال حتى إن الرجل يرحل من مضر ومن اليمن وقال مفارقة العرب وقال في كلام أسعد تخافون من أنفسكم خيفة وقال في البيعة لا نستقيلها *
7- يبشر أصحابه بالخير يوم القيامة
كما في مسند الإمام أحمد : 18667 حدثنا عبد الصمد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده إن المعروف والمنكر خليقتان ينصبان للناس يوم القيامة فأما المعروف فيبشر أصحابه ويوعدهم الخير وأما المنكر فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوما *
7- سلامة للوالي وصلاح للولاية
لا بد للوالي من خاصة وأعوان على تلك الولابة ، وهذه الخاصة لها الأثر الكبير في الوالي وولايته في الخير والشر حسب نوعيتها ، لما في سنن النسائي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ما من وال إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما)) ( ) .
إذن فصلاح الوالي في نفسه وولايته حسب ما يغلب عليه من البطانه ، فإذا كانت البطانة (وهم الخاصة والأعوان) أهل خير، يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر ، كان ذلك سبباً في صلاحه وصلاح ولايته ، وإعانة له على ماحمل من مسئولية تلك الولاية ، فيسلم بهذا من إثم هذه المسئولية .
أما إذا كان الخاصة والأعوان من أهل الشر والفساد ، الذين لا يدخرون وسعاً في إفساد الرجل وولايته ، لأهداف شهوانية ، أو أطماع دنيوية ، كان ذلك سبباً لهلاك الوالي في تلك الولاية .
7- من حقوق الطريق
يتعلق بالإنسان حقوق كثيرة، ومما يتعلق به من الحقوق حق الطريق على من أراد الجلوس فيه ، لما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر)) ( ) .
إذن فمن حقوق الطريق المتعلقة بالجالس الأمر المعروف والنهي عن المنكر ، فمن قام به أدى حقاً واجباً عليه . والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطريق فيه نفع للناس فيما يتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم .
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة من الهلاك
إنما تهلك المجتمعات ، ويحق عليها العذاب ، إذا كثر فيها الفساد ، وطغى العباد ، يقول سبحانه {وإذا أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً}( ) . يقول ابن كثير : سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} الاَية، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس.( )
والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم سبب نجاة المجتمع من الهلاك الذي ربما أصابه بسبب الذنوب الحاصلة، وتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى بالمعاصي من ارتكاب المحرمات ، والإعراض عن الواجبات ، وقد ضرب رسول الله ص في ذلك مثلاً بديعاً حين قال ( مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا))( ) .
والقائم على حدود الله هو المطيع لله ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وأما الواقع فيها فهو العاصي الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وفعله هو سبب هلاك المجتمع ، كما أن من خرق السفينة كان سبباً في هلاك كل من كان في السفينة ، ولكن إذا وجد في السفينة من يأخذ على يديه ويمنعه من فعله الأحمق كان سبباً في نجاته ونجاة كل من في السفينة ، وكذلك إذا وجد في المجتمع من يأخذ على أيدي العصاة فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يكون سبباً في نجاة هذه المجتمع من الهلاك العام الذي يشمل الصالح والطالح ، كما يقول الله سبحانه وتعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}( ) ، وكما في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش (رضي الله عنها) أن النبي ص دخل عليها فزعا يقول (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))( ) .
ولا يكثر الخبث في مجتمع من المجتمعات إلا إذا قل فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولقد أشار الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إلى طائفة فيما مضى من الزمان كان سبب نجاتها هو النهي عن الفساد في الأرض حين قال سبحانه {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}( ).
يقول ابن كثير (رحمه الله تعالى) في تفسيرها : فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله: {إلا قليلاً} أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.( )
ومما يدل على نجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذا أراد الله إهلاك الظالمين ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا في محكم كتابه عن بني إسرائيل حين قال {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ...}( ) .
يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حال ثلاثة أصناف من بني إسرائيل ، حينما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن الاصطياد في يوم السبت ، فصنف أهملوا النهي وتحايلوا في الاصطياد في هذا اليوم ، ووقعوا فيما حرم الله سبحانه وتعالى عليهم ، وصنف آخر لم يرتكبوا ما حرم الله عليهم فاعتزلوا ولم يأمروا ولم ينهوا ، بل قالوا للمنكرين {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً} . أما الصنف الثالث فهم مع اجتنابهم المحرم وامتثال أمر الله سبحانه وتعالى فيه ، لم يسكتوا على فعل الصنف الأول بل بادروا بالإنكار عليهم ونهيهم عن ارتكاب المحرم محتجين بقولهم {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} .
فماذا كان جزاء كل صنف من هذه الأصناف؟ قال تعالى {فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }( ) ، أنجى الله سبحانه وتعالى الذين ينهون عن السوء وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وأهلك الله الذين ظلموا وهم الذي وقعوا في الحرام . وأما الذين سكتوا فقد سكت الله سبحانه وتعالى عنهم ولم يبين حالهم ، وقد اختلف المفسرون في مآلهم( ) . والشاهد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة إذا نزل العذاب على قوم .
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المكفرات
من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أن جعل لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً لتكفير الذنوب ، كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، ومن هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما في الصحيحين من حديث حذيفة (رضي الله عنه) قال : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ(رضي الله عنه) فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا ،قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: قَالَ قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عُمَرُ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ :أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ))( ) .
ففتنة الرجل التي تحصل له في أهله وولده وجاره هو ما يقع فيه من الإثم بسببهم، إما في التقصير بما لهم من الواجبات، أو الوقوع في سببهم في المحرمات، فالفتنة في الأهل على سبيل المثال تكون في الميل إليهن أو عنهن بالقسمة والإيثار ، والفتنة بالولد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد ، أو الإلتهاء بهم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، والفتنة في الجار تكون على سبيل المثال في التقصير بحقه، ونيله بالأذى . وهذه الفتنة بالمذكورين قلما يسلم منها إنسان ، ولذا فإنه من رحمة الله سبحانه وتعالى جعل لها أسباباً تكفرها ، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .( )
7- أنه يزيد في الإيمان
من المعلوم في مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وقد بين الأمام مسلم في صحيحه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يزيد به الإيمان حين قال : ((باب كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان)) ثم ساق بعده حديث أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي ص أنه قال : ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))( ) .
وكون كل جنس من هذه الأعمال صدقة أي أن لها أجراً كما للصدقة أجر ، أو أنها تماثل الصدقات في الإجور ، ، فسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام ، ، وقيل أن معناها أنها صدقة على نفسه ، و(أمرٌ بالمعورف) نكرة إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
ووجه كونه سبباً في زيادة الإيمان ، أنه أحد شعب الإيمان ، ثم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي يبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى سيحاسب نفسه على ما يأمر به وما ينهى عنه خوفاً من الوعيد الشديد الذي جاء في حديث أسامة بن زيد (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله ص يقول : ((يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه))( ) . فيكون بهذا من المسارعين إلى ما يأمر الناس به ، ومن المبتعدين عن ما ينهاهم عنه ، فيحصل به من زيادة الإيمان الخير الكثير .
8- الأمر بالمعروف سبب في كسب الأجر الكثير
من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل هذا العمل العظيم سبباً لحصول الإنسان على ثواب عبادات لم يباشرها ، فمن أمر بصلاة مثلاً كان له مثل أجر من صلاها ، ومن أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحو ذلك من الطاعات ، الواجبات أو المستحبات ، كان له من الأجر مثل أجر من فعلها ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ص حين قال : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا))( ) . وكذلك في قوله : ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))( ) .
والأمر بالمعروف دعوة إلى الهدى ، و دلالة على الخير ، وبالتالي فإن القائم بذلك يحصل من الأجر الشيء العظيم (نسأل الله من فضله) . وأكمل الناس في هذا الجانب نبينا محمد ص فما عملت الأمة من خير إلا بدلالته إياهم .
وكلما كان الإنسان أنشط في هذا الجانب ، كان أكثر نصيباً من الخير الذي يحصل له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا الأجر الحاصل هو ثواب آخر ، لأن الآمر بالمعروف حتى لو لم يستجب له المأمور فإنه مأجور على فعله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
9- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاة من إثم القول
إن اشتغال الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوق ما يكسبه من الأجر الكثير والثواب الجزيل ، فإنه يكون سبباً في سلامته من إثم القول ، ومن عثرات اللسان ، وقد قال المولى سبحانه وتعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}( ) .
كما أخبر المصطفى ص أن كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حين قال : ((كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله عز وجل))( ) .
10- الأمر بالمعروف ولانهي عن المنكر دليل على قوة الإيمان
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على قوة إيمان الإنسان ، وذلك أن هذا العمل فيه مواجهة لبعض الناس ، ومخالفة لرغبات النفوس ، ولذا فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعل تغيير المنكر بالقلب الذي لا يظهر معه أمر ولا نهي أضعف الإيمان ، لما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدر ي(رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) ( ) . ومما يشير إلى موقف كثير من الناس من الأمر بالمعورف والنهي عن المنكر ، ما ورد في كلام لأويس القرني لرجل من مراد ، قال فيه : يا أخا مراد ، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً ، والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ، ويجدون على ذلكمن الفساق أعواناً. ( )
ولا شك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، لما في صحيح مسلم ايضاً من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ...)) ( ) . ولقد بعض أهل العلم خصال المؤمن القوي وخصوا منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول النووي : ((المراد بالقوة هنا عزيمة النفس، والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك ...))( ).
11- شكر للنعمة
قال تعالى {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ }( ) . هذه الآية فيها ذكر لنعمة من جمل النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده الؤمنين ، وهي التمكين في الأرض والنصر على الأعداء ، كما أن الآية بيان لبعض الصفات التي بجب أن يتصف بها المؤمنون مقابل هذه النعمة ، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا كله من باب شكر الله سبحانه وتعالى نعلى تلك النعمة ، والشكر سبب للزيادة من النعمة كما في قوله سبحانه وتعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} ، إذن فالأمر بالمعوف والنهي عن المنكر، مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، سبب زيادة النصر والتمكين في الأرض لعباد الله المؤمنين .
ولقد أكد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقابل النصر والفتح، كما ورد من حديث عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال : انتهيت إلى النبي (صلى اللهعليه وسلم) وهو في قبة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلاً ، فقال : إنه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ، وليصل رحمه ...)) ( ) .
12- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يميز به الرجال
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مما يدل على صلاح الرجال ، ويميزهم عن غيرهم، ولذا كان بعض أهل العلم ممن كتب في الرجال، يثني على بعضهم بما فيه من الصفات الهامة ، ومنها قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :-
قال صحاب تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة : كان فقيهاً صالحاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ( )
قال صحاب تاريخ بغداد في ترجمة شعيب بن حرب : كان أحد المذكورين باعبادة والصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
وقال الذهبي فيما نقله في ترجمة أبو النظر هاشم بن قاسم الليثي : كان من الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . ( )
وقال فيما نقله في ترجمة عبدالرحمن بن منده : كان والله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في الغدو والآصال ذاكراً ولنفسه في المصالح قاهراً . ( )
وقال ابن حجر فيما نقله في ترجمة في ترجمة أحمد بن نصر : كان أحمد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ( )
وقال فيما نقله في ترجمة العوام بن الحوشب : كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. ( )
وقال المزي في ترجمة شعيب بن حرب المدائني : كان أحد المذكورين بالعبادة والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
وبعد
وبعد معرفة هذا الفضل العظيم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن نفس الإنسان المسلم تتطلع لكسب هذا الخير الكثير ، من تحقيق الخيرية في النفس، وتحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة ، والاتصاف بما كان عليه الأنبياء وعباد الله المؤمنون ، والنجاة من الهلاك ، وتكفير الفتنة في الأهل والولد والجار ، وزيادة الإيمان ، وتحصيل الأجر الكثير، والسلامة في القول ، ونحو ذلك من الفوائد العظيمة للفرد والمجتمع التي لا تعد ولا تحصى ، وقبل ذلك كله قياماً بالواجب وتنفيذاً لأمر الله ورسوله .
وبعد معرفة ذلك كله ، فماذا عساك تفعل أخي المسلم ، هل تزهد في هذا الخير الكثير والأجر الوفير ؟! لعل ذلك يكون سبباً في تنشيط نفسك ، واستثارة همك ، للقيام بهذا العمل العظيم ، ففيه صلاحك وصلاح مجتمعك وأمتك .
وليس هذا فحسب، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما يجلب لك الخير الكثير ، فهو أيضاً يدفع عنك من الشرور الشيء العظيم ، الذي ينال من ترك الأمر بالمعروف والنهي المنكر ، وهذا ما سأذكره لك بإذن الله في الصفحات القادمة، وفقك الله لكل خير .
الخاتمة
وبعد الوقوف على شيء من مما يثير الهمم ، ويستحث العزائم من فضل هذه الشعيرة العظيمة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يترتب على فعله من الخير العظيم، والنفع العميم للفرد والمجتمع ، فبه تتحقق لهذه الأمة الخيرية ، وهو سبب الفلاح في الدارين ، واقتداء برسول الله ص ، وهو سبب للنجاة من الهلاك الذي ورد فيه الوعيد على من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من زيادةالإيمان ، وتكفير السيئات ، وإجابة الدعوات ، والاشتغال فيه سبب لسلامة القول وصلاح العمل .
وفي المقابل فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في استحقاق اللعنة (نعوذ بالله من ذلك) ، وسبب لمنع إجابة الدعاء ، وتعريض للنفس والغير للعقوبة ، وسبب لإلف المنكرات والاستهانة بها ، وهو أيضاً إعانة للعصاة على المعصية ، واندراس معالم الدين وظهور الجهل ، وفوق ذلك كله سبب لفساد القلب الذي به يفسد الجسد كله.
وبعد هذا كله لعل النفوس تتيقظ لهذا الأمر العظيم ، فمن كان محسناً فيه فليزدد إحساناً بالجد والاجتهاد في القيام به ، ومن كان مقصراً فليتأمل في حاله وليحاسب نفسه، ويلحق بإخوانه العاملين ، والرجال المخلصين ، والله الهادي والموفق إلى سبيل الرشاد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تأليف
د. سليمان بن قاسم العيد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :-
فإن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن جعلنا مسلمين ، ومن أمة سيد المرسلين ، خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة ، لا نحصي عددها ، ولا نطيق شكرها . ومن الواجب علينا تجاه هذه النعم الاجتهاد في شكرها {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} وما شكرت نعمة الإسلام بمثل الحفاظ عليها ، بالعمل بشرائعها ، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.
وإذا تأملنا في هذا الزمان حال المسلمين وحال البلاد الإسلامية، لوجدنا ما يندى له الجبين ، وتدمع له العين ، من ضعف الدين، وعجز المسلمين، فأصبحت أمتنا في هذا الزمان أمة مستضعفة مستهدفة ، تداعى عليها الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها.
واللوم ليس على الأعداء وحدهم، بل نلوم أنفسنا معشر المسلمين {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} نعم بما كسبت أيدينا من معصية الله في التقصير في الواجبات ، والوقوع في المعاصي والمحرمات .
ومن أبرز ما قصر به المسلمون في هذا الزمان واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي أدى إلى التقصير في أمور كثيرة من الدين ، فبتقصير المسلمين في جانب الأمر بالمعروف، بدأ كثير من الناس مع الزمان يتهاونون بالمعروف مع الزمان شيئاً فشيئأ ، فبدأ الأمر بترك النوافل والمستحبات ، وانتهى بترك الفرائض والواجبات . وفي جانب التهاون في إنكار المنكر ، بدأ كثير من الناس شيئاً فشيئاً بفعل المكروهات ، وانتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات .
ولأهمية هذا الموضوع أردت أن أكتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من جانبين أولهما : الحث على فعله ، وذلك بذكر فضائله وآثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع.
والجانب الآخر: التحذير من تركه وذلك بذكر الأضرار المترتبة على تركه في الفرد والمجتمع .
ثم عقبت بعد ذلك بذكر بعض الشبه التي تدور في نفوس بعض الناس، مما يكون سبباً في صدهم عن القيام بهذا العمل الجليل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما بينت مع كل شبهة الرد عليها .
فأرجو من المولى سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الكلمات اليسيرة، تنشيطاً للنفوس ، وإحياءً للقلوب ، للجد والاجتهاد ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما فيه من صلاح للبلاد والعباد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سليمان بن قاسم العيد
الرياض 11595
ص.ب 62922
تمهيد
المعروف والمنكر
المعروف في اللغة : ضد المنكر ، والعرف ضد النكر ، والعارِفُ والعَروفُ الصبور ، ويطلق المعروف على الوجه لأن الإنسان يعرف به، كما يطلق على الجود وقيل : هو اسم ما تبذله وتسديه.( )
المعروف في الاصطلاح : اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله ، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات . وسمي معروفاً لأن العقول السليمة تعرفه .( )
المنكر في اللغة : هو واحد المَناَكِر ، وهو النكر ، قال تعالى {لقد جئتم شيئاً نكراً} ، والنَكِير والإنْكارُ : تغيير المنكر ، والإنكارُ : الجحود ، والتناكرُ : التجاهل .( )
المنكر في الاصطلاح : كل قول وفعل وقصد قبحه الشارع ونهى عنه .( )
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
اتفق علماء الأمة على القول بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما أثر عنهم من الأقوال مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة ، ومن ذلك على السبيل المثال ما يلي:-
قال ابن حزم : اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم .( )
وقال النووي : وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة، وإجماع الأمة ، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ، ولا يعتد بخلافهم ، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين : لا يكترث بخلافهم في هذا ، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافاً للمعتزلة.( )
وقال أبو بكر بن العربي : في مطلق قوله تعالى {ولتكن منكم أمة}( ) دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يقوم به المسلم ، وإن لم يكن عدلاً ، خلافاً للمبتدعة الذين يشترطون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العدالة.( )
وقال أبو بكر بن الجصاص : أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه ، وبينه رسوله ص في أخبار متواترة ، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه .( )
وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}( ) في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت في الكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها.( )
أوجه المنافع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الأعمال وأشرفها، لما فيها من المزايا العديدة والفضائل الحميدة ، ولما فيه من الخير العظيم للفرد والمجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :-
1- تحقيق للخيرية
لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة ، أمة محمد ص ، خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، كما في قوله سبحانه وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}( ) قال مجاهد: (({كُنْتُمْ خَيْرَ اُمّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنّاسِ} على الشرائط المذكورة في الآية)) ( ). والشرائط المذكورة في الآية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله. وعلى قول مجاهد: كنتم خيرَ أمّةٍ إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. وقيل: إنما صارت أمة محمد ص خير أمّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفْشَى. وفي هذه الآية مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتَواطَؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذّمّ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم.( )
وقال ابن كثير في تفسيره : يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، فقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} . وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس {كنتم خير أمة أخرجت للناس} يعني خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} . فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ثم قال: ((من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها))...ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب...} .( )
وقال ابن سعدي في تفسيره : هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم ، وأنهم خير الناس للناس ، نصحاً ، ومحبة للخير ، ودعوة، وتعليماً ، وإرشاداً ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، وجمعاً بين تكميل الخلق، والسعي في منافعهم ، بحسب الإمكان ، وبين تكميل النفس بالإيمان بالله ، والقيام بحقوق الإيمان .( )
لا شك أن أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسعى للناس بالخير، بدعوتهم إليه، وتبعد الناس عن الشر بتحذيرهم منه ، هي أنفع أمة للناس . وكما أن هذا الفضل لهذه الأمة على سائر الأمم ، فهو أيضاً فضل يتفاضل به أفراد هذه الأمة بعضهم على بعض، فمن قام منهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أفضل من غيره ، وهو خيرالناس للناس، ومن كان منهم أكثر بذلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر تضحية فلاشك أنه أفضل ممن هو دونه .
ويؤكد هذا ما رواه الإمام أحمد عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال «خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله،وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم»( ) .
وفي المقابل فإن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد زهد في هذه الخيرية، وتنصل من أخص وصف لهذه الأمة ، وتشبه بالذين كفروا من بيني لإسرائيل الذين حقت عليهم اللعنة بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما في قوله سبحانه {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ داودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}( ).
2- طريق للفلاح
الفلاح مكسب عظيم للإنسان فهو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب، ولقد وصف المولى عز وجل عباده المؤمنين في كتاب العزيز في مواضع كثيرة، وعلق فلاحهم على أعمال جليلة ، كالخشوع في الصلاة ، كقوله سبحانه { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } . وعلى الثبات في القتال والإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ}( ) . وعلى التقوى لقوله سبحانه وتعالى {قُل لاّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }( ).
ومن جملة ما علق الله عليه الفلاح من هذه الأعمال الجليلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد جعله الله سبباً للفلاح لمن قام به ، كما في قوله سبحانه وتعالى {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }( ) .
فلاح في الدنيا ، وفلاح في الآخرة ، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة ، بما فيها من سعة الرزق ، وصحة البدن ، وأمن في الوطن ، وصلاح في الأهل والولد ، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة . وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم . فياله من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- إتباع للنبي ص
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات النبي ص التي وصف بها في الكتب المتقدمة ، كما في قوله سبحانه وتعالى {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ...}( ) . وتظهر أهمية هذه الصفة إذا علمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مدار رسالة الرسل التي بعثوا من أجلها ، فهم يدعون إلى كل خير ويحذرون من كل شر ، فهو زبدة الرسالة ومدار البعثة .
قال ابن كثير في تفسيره : {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرسول ص في الكتب المتقدمة، وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام، لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}( ).
وقال ابن سعدي (رحمه الله) : من أعظم وأجل صفته ، ما يدعو إليه ، وينهى عنه، وأنه {يأمرهم بالمعروف} وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه . و{ينهاهم عن المنكر } وهو : كل ما عرف قبحه في العقول ، والفطر . فيأمرهم بالصلاة، والزكاة والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار، والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق ، والعفاف، والبر ، والنصيحة، وما أشبه ذلك. وينهى الشرك بالله، وقتل النفس بغير الحق، والزنا ، وشرب ما يسكر العقل ، والظلم لسائر الخلق، والكذب ، والفجور، ونحو ذلك .( )
فإذا علمت أخي المسلم أن هذه الصفة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) هي أخص صفات النبي ص فاعلم أنك مأمور بالاقتداء بنبيك محمد ص إن كنت ترجو الله واليوم الآخر ، كما في قوله سبحانه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} ، فاجتهد بالاقتداء به في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكن من المفلحين كما سبق بيان ذلك .
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات المؤمنين
كما سبق بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أخص صفات النبي ص فهو أيضاً أخص أوصاف أتباعه على دينه من المؤمنين ، كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( ) .
ذكر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بهذه الصفات الحميدة - أولها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مثنياً عليهم بها ، واعداً لهم بالرحمة عليها ، وكان ذكر هذه الصفات بعد صفات المنافقين الذميمة ، حيث كانوا ضد ما عليه المؤمنون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين قال {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مّقِيمٌ}( ) . فاستحق المنافقون والمنافقات على فعلهم هذا من أمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف أن نسيهم الله أي : ((عاملهم معاملة من نسيهم )) ( ) وتوعدهم بجهنم ، ولعنهم، وأعد لهم عذاباً مقيماً ، فنسأل الله السلامة والعافية من هذه الحال .
وقد ورد وصف المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات أخر ، منها قوله تعالى {التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ }( ).
وقوله سبحانه وتعالى {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ }( ) .
وقوله سبحانه وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}( ) .
ولو تأملنا هذه الصفات الواردة للمؤمنين في الآيات المذكورة لوجدنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقترن بأعظم الأعمال وأجلها ، اقترن بالإيمان بالله ، وبالصلاة والزكاة ونحوها .
إضافة
2214 حدثنا عثمان بن محمد قال عبد الله بن أحمد وسمعته أنا من عثمان بن محمد حدثنا جرير عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر( ) *
فمن ذا الذي يرضى لنفسه أن ينسلخ من صفات المؤمنين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟! لا شك أنه لا يوجد مسلم عاقل يريد لنفسه هذه الحال ، والإنسان الذي لا يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إحدى حالين :-
الأولى : لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وبهذا يكون متشبها بالذين كفروا من بني إسرائيل الذين حقت عليهم اللعنة على لسان الأنبياء .( )
الثانية : أنه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، وهذا فيه شبه من المنافقين السابق ذكرهم في الآية ، ويستحق من الجزاء ما ورد في حقهم .
7- شكر للنعمة
3511 حدثنا وكيع حدثنا المسعودي عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون قال عبد الله فكنت من آخر من أتاه فقال إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ( )*
(والحديث رواه الترمذي وابن ماجة ، كما في قول أحمد شاكر ، ولذا يرجع لشرحه في صحيح الترمذي)
7- مما بايع عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم الأنصار) . كما في مسند الإمام أحمد
13934 حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة حدثنا داود بن مهران حدثنا داود يعني العطار عن ابن خثيم عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين فذكر الحديث وقال حتى إن الرجل ليرحل ضاحية من مضر ومن اليمن وقال مفارقة العرب وقال تخافون من أنفسكم خيفة وقال في البيعة لا نستقيلها حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين فذكر الحديث إلا أنه قال حتى إن الرجل يرحل من مضر ومن اليمن وقال مفارقة العرب وقال في كلام أسعد تخافون من أنفسكم خيفة وقال في البيعة لا نستقيلها *
7- يبشر أصحابه بالخير يوم القيامة
كما في مسند الإمام أحمد : 18667 حدثنا عبد الصمد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده إن المعروف والمنكر خليقتان ينصبان للناس يوم القيامة فأما المعروف فيبشر أصحابه ويوعدهم الخير وأما المنكر فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوما *
7- سلامة للوالي وصلاح للولاية
لا بد للوالي من خاصة وأعوان على تلك الولابة ، وهذه الخاصة لها الأثر الكبير في الوالي وولايته في الخير والشر حسب نوعيتها ، لما في سنن النسائي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ما من وال إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما)) ( ) .
إذن فصلاح الوالي في نفسه وولايته حسب ما يغلب عليه من البطانه ، فإذا كانت البطانة (وهم الخاصة والأعوان) أهل خير، يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر ، كان ذلك سبباً في صلاحه وصلاح ولايته ، وإعانة له على ماحمل من مسئولية تلك الولاية ، فيسلم بهذا من إثم هذه المسئولية .
أما إذا كان الخاصة والأعوان من أهل الشر والفساد ، الذين لا يدخرون وسعاً في إفساد الرجل وولايته ، لأهداف شهوانية ، أو أطماع دنيوية ، كان ذلك سبباً لهلاك الوالي في تلك الولاية .
7- من حقوق الطريق
يتعلق بالإنسان حقوق كثيرة، ومما يتعلق به من الحقوق حق الطريق على من أراد الجلوس فيه ، لما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر)) ( ) .
إذن فمن حقوق الطريق المتعلقة بالجالس الأمر المعروف والنهي عن المنكر ، فمن قام به أدى حقاً واجباً عليه . والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطريق فيه نفع للناس فيما يتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم .
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة من الهلاك
إنما تهلك المجتمعات ، ويحق عليها العذاب ، إذا كثر فيها الفساد ، وطغى العباد ، يقول سبحانه {وإذا أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً}( ) . يقول ابن كثير : سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} الاَية، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس.( )
والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم سبب نجاة المجتمع من الهلاك الذي ربما أصابه بسبب الذنوب الحاصلة، وتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى بالمعاصي من ارتكاب المحرمات ، والإعراض عن الواجبات ، وقد ضرب رسول الله ص في ذلك مثلاً بديعاً حين قال ( مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا))( ) .
والقائم على حدود الله هو المطيع لله ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وأما الواقع فيها فهو العاصي الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وفعله هو سبب هلاك المجتمع ، كما أن من خرق السفينة كان سبباً في هلاك كل من كان في السفينة ، ولكن إذا وجد في السفينة من يأخذ على يديه ويمنعه من فعله الأحمق كان سبباً في نجاته ونجاة كل من في السفينة ، وكذلك إذا وجد في المجتمع من يأخذ على أيدي العصاة فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يكون سبباً في نجاة هذه المجتمع من الهلاك العام الذي يشمل الصالح والطالح ، كما يقول الله سبحانه وتعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}( ) ، وكما في صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش (رضي الله عنها) أن النبي ص دخل عليها فزعا يقول (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))( ) .
ولا يكثر الخبث في مجتمع من المجتمعات إلا إذا قل فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولقد أشار الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إلى طائفة فيما مضى من الزمان كان سبب نجاتها هو النهي عن الفساد في الأرض حين قال سبحانه {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}( ).
يقول ابن كثير (رحمه الله تعالى) في تفسيرها : فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله: {إلا قليلاً} أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.( )
ومما يدل على نجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذا أراد الله إهلاك الظالمين ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا في محكم كتابه عن بني إسرائيل حين قال {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ...}( ) .
يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حال ثلاثة أصناف من بني إسرائيل ، حينما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن الاصطياد في يوم السبت ، فصنف أهملوا النهي وتحايلوا في الاصطياد في هذا اليوم ، ووقعوا فيما حرم الله سبحانه وتعالى عليهم ، وصنف آخر لم يرتكبوا ما حرم الله عليهم فاعتزلوا ولم يأمروا ولم ينهوا ، بل قالوا للمنكرين {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً} . أما الصنف الثالث فهم مع اجتنابهم المحرم وامتثال أمر الله سبحانه وتعالى فيه ، لم يسكتوا على فعل الصنف الأول بل بادروا بالإنكار عليهم ونهيهم عن ارتكاب المحرم محتجين بقولهم {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} .
فماذا كان جزاء كل صنف من هذه الأصناف؟ قال تعالى {فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }( ) ، أنجى الله سبحانه وتعالى الذين ينهون عن السوء وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وأهلك الله الذين ظلموا وهم الذي وقعوا في الحرام . وأما الذين سكتوا فقد سكت الله سبحانه وتعالى عنهم ولم يبين حالهم ، وقد اختلف المفسرون في مآلهم( ) . والشاهد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة إذا نزل العذاب على قوم .
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المكفرات
من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أن جعل لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً لتكفير الذنوب ، كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، ومن هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما في الصحيحين من حديث حذيفة (رضي الله عنه) قال : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ(رضي الله عنه) فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا ،قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: قَالَ قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عُمَرُ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ :أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ))( ) .
ففتنة الرجل التي تحصل له في أهله وولده وجاره هو ما يقع فيه من الإثم بسببهم، إما في التقصير بما لهم من الواجبات، أو الوقوع في سببهم في المحرمات، فالفتنة في الأهل على سبيل المثال تكون في الميل إليهن أو عنهن بالقسمة والإيثار ، والفتنة بالولد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد ، أو الإلتهاء بهم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، والفتنة في الجار تكون على سبيل المثال في التقصير بحقه، ونيله بالأذى . وهذه الفتنة بالمذكورين قلما يسلم منها إنسان ، ولذا فإنه من رحمة الله سبحانه وتعالى جعل لها أسباباً تكفرها ، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .( )
7- أنه يزيد في الإيمان
من المعلوم في مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وقد بين الأمام مسلم في صحيحه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يزيد به الإيمان حين قال : ((باب كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان)) ثم ساق بعده حديث أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي ص أنه قال : ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))( ) .
وكون كل جنس من هذه الأعمال صدقة أي أن لها أجراً كما للصدقة أجر ، أو أنها تماثل الصدقات في الإجور ، ، فسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام ، ، وقيل أن معناها أنها صدقة على نفسه ، و(أمرٌ بالمعورف) نكرة إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
ووجه كونه سبباً في زيادة الإيمان ، أنه أحد شعب الإيمان ، ثم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي يبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى سيحاسب نفسه على ما يأمر به وما ينهى عنه خوفاً من الوعيد الشديد الذي جاء في حديث أسامة بن زيد (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله ص يقول : ((يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه))( ) . فيكون بهذا من المسارعين إلى ما يأمر الناس به ، ومن المبتعدين عن ما ينهاهم عنه ، فيحصل به من زيادة الإيمان الخير الكثير .
8- الأمر بالمعروف سبب في كسب الأجر الكثير
من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل هذا العمل العظيم سبباً لحصول الإنسان على ثواب عبادات لم يباشرها ، فمن أمر بصلاة مثلاً كان له مثل أجر من صلاها ، ومن أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحو ذلك من الطاعات ، الواجبات أو المستحبات ، كان له من الأجر مثل أجر من فعلها ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ص حين قال : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا))( ) . وكذلك في قوله : ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))( ) .
والأمر بالمعروف دعوة إلى الهدى ، و دلالة على الخير ، وبالتالي فإن القائم بذلك يحصل من الأجر الشيء العظيم (نسأل الله من فضله) . وأكمل الناس في هذا الجانب نبينا محمد ص فما عملت الأمة من خير إلا بدلالته إياهم .
وكلما كان الإنسان أنشط في هذا الجانب ، كان أكثر نصيباً من الخير الذي يحصل له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا الأجر الحاصل هو ثواب آخر ، لأن الآمر بالمعروف حتى لو لم يستجب له المأمور فإنه مأجور على فعله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
9- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاة من إثم القول
إن اشتغال الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوق ما يكسبه من الأجر الكثير والثواب الجزيل ، فإنه يكون سبباً في سلامته من إثم القول ، ومن عثرات اللسان ، وقد قال المولى سبحانه وتعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نّجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}( ) .
كما أخبر المصطفى ص أن كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حين قال : ((كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله عز وجل))( ) .
10- الأمر بالمعروف ولانهي عن المنكر دليل على قوة الإيمان
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على قوة إيمان الإنسان ، وذلك أن هذا العمل فيه مواجهة لبعض الناس ، ومخالفة لرغبات النفوس ، ولذا فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعل تغيير المنكر بالقلب الذي لا يظهر معه أمر ولا نهي أضعف الإيمان ، لما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدر ي(رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) ( ) . ومما يشير إلى موقف كثير من الناس من الأمر بالمعورف والنهي عن المنكر ، ما ورد في كلام لأويس القرني لرجل من مراد ، قال فيه : يا أخا مراد ، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً ، والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ، ويجدون على ذلكمن الفساق أعواناً. ( )
ولا شك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، لما في صحيح مسلم ايضاً من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ...)) ( ) . ولقد بعض أهل العلم خصال المؤمن القوي وخصوا منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول النووي : ((المراد بالقوة هنا عزيمة النفس، والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك ...))( ).
11- شكر للنعمة
قال تعالى {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ }( ) . هذه الآية فيها ذكر لنعمة من جمل النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده الؤمنين ، وهي التمكين في الأرض والنصر على الأعداء ، كما أن الآية بيان لبعض الصفات التي بجب أن يتصف بها المؤمنون مقابل هذه النعمة ، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا كله من باب شكر الله سبحانه وتعالى نعلى تلك النعمة ، والشكر سبب للزيادة من النعمة كما في قوله سبحانه وتعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} ، إذن فالأمر بالمعوف والنهي عن المنكر، مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، سبب زيادة النصر والتمكين في الأرض لعباد الله المؤمنين .
ولقد أكد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقابل النصر والفتح، كما ورد من حديث عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال : انتهيت إلى النبي (صلى اللهعليه وسلم) وهو في قبة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلاً ، فقال : إنه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ، وليصل رحمه ...)) ( ) .
12- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يميز به الرجال
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مما يدل على صلاح الرجال ، ويميزهم عن غيرهم، ولذا كان بعض أهل العلم ممن كتب في الرجال، يثني على بعضهم بما فيه من الصفات الهامة ، ومنها قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :-
قال صحاب تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة : كان فقيهاً صالحاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ( )
قال صحاب تاريخ بغداد في ترجمة شعيب بن حرب : كان أحد المذكورين باعبادة والصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
وقال الذهبي فيما نقله في ترجمة أبو النظر هاشم بن قاسم الليثي : كان من الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . ( )
وقال فيما نقله في ترجمة عبدالرحمن بن منده : كان والله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في الغدو والآصال ذاكراً ولنفسه في المصالح قاهراً . ( )
وقال ابن حجر فيما نقله في ترجمة في ترجمة أحمد بن نصر : كان أحمد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ( )
وقال فيما نقله في ترجمة العوام بن الحوشب : كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. ( )
وقال المزي في ترجمة شعيب بن حرب المدائني : كان أحد المذكورين بالعبادة والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( )
وبعد
وبعد معرفة هذا الفضل العظيم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن نفس الإنسان المسلم تتطلع لكسب هذا الخير الكثير ، من تحقيق الخيرية في النفس، وتحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة ، والاتصاف بما كان عليه الأنبياء وعباد الله المؤمنون ، والنجاة من الهلاك ، وتكفير الفتنة في الأهل والولد والجار ، وزيادة الإيمان ، وتحصيل الأجر الكثير، والسلامة في القول ، ونحو ذلك من الفوائد العظيمة للفرد والمجتمع التي لا تعد ولا تحصى ، وقبل ذلك كله قياماً بالواجب وتنفيذاً لأمر الله ورسوله .
وبعد معرفة ذلك كله ، فماذا عساك تفعل أخي المسلم ، هل تزهد في هذا الخير الكثير والأجر الوفير ؟! لعل ذلك يكون سبباً في تنشيط نفسك ، واستثارة همك ، للقيام بهذا العمل العظيم ، ففيه صلاحك وصلاح مجتمعك وأمتك .
وليس هذا فحسب، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما يجلب لك الخير الكثير ، فهو أيضاً يدفع عنك من الشرور الشيء العظيم ، الذي ينال من ترك الأمر بالمعروف والنهي المنكر ، وهذا ما سأذكره لك بإذن الله في الصفحات القادمة، وفقك الله لكل خير .
الخاتمة
وبعد الوقوف على شيء من مما يثير الهمم ، ويستحث العزائم من فضل هذه الشعيرة العظيمة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يترتب على فعله من الخير العظيم، والنفع العميم للفرد والمجتمع ، فبه تتحقق لهذه الأمة الخيرية ، وهو سبب الفلاح في الدارين ، واقتداء برسول الله ص ، وهو سبب للنجاة من الهلاك الذي ورد فيه الوعيد على من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من زيادةالإيمان ، وتكفير السيئات ، وإجابة الدعوات ، والاشتغال فيه سبب لسلامة القول وصلاح العمل .
وفي المقابل فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في استحقاق اللعنة (نعوذ بالله من ذلك) ، وسبب لمنع إجابة الدعاء ، وتعريض للنفس والغير للعقوبة ، وسبب لإلف المنكرات والاستهانة بها ، وهو أيضاً إعانة للعصاة على المعصية ، واندراس معالم الدين وظهور الجهل ، وفوق ذلك كله سبب لفساد القلب الذي به يفسد الجسد كله.
وبعد هذا كله لعل النفوس تتيقظ لهذا الأمر العظيم ، فمن كان محسناً فيه فليزدد إحساناً بالجد والاجتهاد في القيام به ، ومن كان مقصراً فليتأمل في حاله وليحاسب نفسه، ويلحق بإخوانه العاملين ، والرجال المخلصين ، والله الهادي والموفق إلى سبيل الرشاد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى